فصل: كتاب الشهادات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


كتاب الشهادات

أخرها عن القضاء؛ لأنها كالوسيلة له وهو المقصود وهي سببه الكلام فيها في مواضع‏:‏ الأول في معناها لغة وشريعة واصطلاحا فالأول كما في الصحاح خبر قاطع تقول منه شهد الرجل على كذا وربما قالوا شهد الرجل بسكون الهاء للتخفيف وقولهم أشهد بكذا أي أحلف والمشاهدة المعاينة وشهده شهودا أي حضره فهو شاهد وقوم شهود أي حضور وهو في الأصل مصدر وشهد أيضا مثل راكع وركع وشهد له بكذا شهادة أي أدى ما عنده فهو شاهد والجمع شهد كصاحب وصحب وسافر وسفر وبعضهم ينكره وجمع الشهد شهود وأشهاد والشهيد الشاهد والجمع الشهداء ا هـ‏.‏ وفي المصباح فائدة جرى على ألسنة الأمة سلفها وخلفها في أداء الشهادة أشهد مقتصرين عليه دون غيره من الألفاظ الدالة على تحقيق الشيء نحو أعلم وأتيقن وهو موافق لألفاظ الكتاب والسنة أيضا فكان كالإجماع على تعيين هذه اللفظة دون غيرها ولا يخلو عن معنى التعبد إذ لم ينقل غيره ولعل السر فيه أن الشهادة اسم من المشاهدة وهي الاطلاع على الشيء عيانا فاشترط في الأداء ما ينبئ عن المشاهدة واختصت بشيء يدل على ذلك وهو ما اشتق من اللفظ وهو أشهد بلفظ المضارع ولا يجوز شهدت؛ لأن الماضي موضوع للإخبار عما وقع نحو قمت أي فيما مضى من الزمان فلو قال شهدت احتمل الإخبار عن الماضي فيكون غير مخبر به في الحال وعليه قوله تعالى حكاية عن أولاد يعقوب عليهم الصلاة والسلام‏:‏ «وما شهدنا إلا بما علمنا»؛ لأنهم شهدوا عند أبيهم أولا بسرقته حين قالوا إن ابنك سرق فلما اتهمهم اعتذروا عن أنفسهم بأنهم لا صنع لهم في ذلك فقالوا وما شهدنا عندك سابقا بقولنا إن ابنك سرق إلا بما عايناه من إخراج الصواع من رحله والمضارع موضوع للإخبار في الحال فإذا قال أشهد فقد أخبر في الحال وعليه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قالوا نشهد إنك لرسول الله‏}‏ أي نحن الآن شاهدون بذلك وأيضا فقد استعمل أشهد في القسم نحو أشهد بالله لقد كان كذا أي أقسم فتضمن لفظ أشهد معنى المشاهدة والقسم والإخبار في الحال فكأن الشاهد قال أقسم بالله لقد اطلعت على ذلك وأنا الآن أخبر به وهذه المعاني مفقودة في غيره من الألفاظ فلذا اقتصر احتياطا واتباعا للمأثور وقولهم أشهد أن لا إله إلا الله تعدى بنفسه؛ لأنه بمعنى أعلم‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما الثاني فما ذكره المؤلف بقوله‏:‏‏(‏قوله‏:‏ هي إخبار عن مشاهدة وعيان لا عن تخمين وحسبان‏)‏ أي الشهادة وصرح الشارح بأن هذا معناها اللغوي وهو خلاف الظاهر وإنما هو معناها الشرعي أيضا كما أفاده في إيضاح الإصلاح والمشاهدة المعاينة كما قدمناه والعيان بالكسر المعاينة كما في ضياء الحلوم فهو تأكيد والتخمين الحدس والحسبان بالكسر الظن وأورد على هذا التعريف الشهادة بالتسامع فإنها لم تكن عن مشاهدة وأجاب في الإيضاح بأن جوازها إنما هو للاستحسان والتعريفات الشرعية إنما تكون على وفق القياس ولكونها إخبارا عن معاينة قال في الخانية إذا قرئ عليه صك ولم يفهم ما فيه لا يجوز له أن يشهد بما فيه كذا في الحظر والإباحة وفي الملتقط إذا سمع صوت المرأة ولم ير شخصها فشهد اثنان عنده أنها فلانة لا يحل له أن يشهد عليها وإن رأى شخصها وأقرت عنده فشهد اثنان أنها فلانة حل له أن يشهد عليها ا هـ‏.‏ وتمام مسألة الشهادة بما في الصك في شهادات البزازية، وأما معناها في الاصطلاح فقال في العناية إخبار صادق في مجلس الحكم بلفظ الشهادة فالإخبار كالجنس وقوله صادق يخرج الأخبار الكاذبة وما بعده يخرج الأخبار الصادقة غير الشهادات ا هـ‏.‏ ويرد عليه قول القائل في مجلس القاضي أشهد برؤية كذا لبعض العرفيات فالأولى أن يزاد لإثبات حق كما في فتح القدير ولم يقولوا بعد دعوى لتخلفها عنها في نحو عتق الأمة وطلاق الزوجة فلم تكن الدعوى شرطا لصحتها مطلقا وقول بعضهم إنها إخبار بحق للغير على الغير بخلاف الإقرار فإنه إخبار بحق على نفسه للغير والدعوى فإنها إخبار بحق لنفسه على الغير غير صحيح لعدم شموله لما إذا أخبر بما يوجب الفرقة من قبلها قبل الدخول فإنه شهادة ولم يوجد فيها ذلك المعنى كما أشار إليه في إيضاح الإصلاح وكأنه لاحظ أنه لم يخبر بحق للغير لأن ذلك موجب لسقوط المهر وجوابه أن سقوطه عن الزوج عائد إلى أنه له فهو كالشهادة بالإبراء عن الدين فإنه إخبار بحق للمديون وهو السقوط عنه وكذا هنا وجعل الأخبار أربعة والرابع الإنكار وعزاه إلى شرح الطحاوي، وأما الثاني فركنها لفظ أشهد بمعنى الخبر دون القسم كذا في الشرح ما لم يأت في آخرها بما يوجب الشك فلو قال أشهد بكذا فيما أعلم لا تقبل كما لو قال في ظني بخلاف ما لو قال أشهد بكذا قد علمت ولو قال لا حق لي قبل فلان فيما أعلم لا يصح الإبراء ولو قال لفلان علي ألف درهم فيما أعلم لا يصح الإقرار كما ذكره الإمام الحصيري ولو قال المعدل هو عدل فيما أعلم لا يكون تعديلا ذكره في باب أدب القضاء للخصاف‏.‏ والحاصل أن قوله فيما أعلم بعد الإخبار موجب للشك فيه عرفا فيبطل وأما الثالث فشرطها العقل الكامل والضبط والولاية والقدرة على التمييز بين المدعي والمدعى عليه وذلك بالسمع والبصر هكذا في الشرح وفتح القدير والعناية ولكن زاد فيها الإسلام إن كان المدعى عليه مسلما وفي كلامهم قصور؛ لأن من الشرائط أن لا يكون بينه وبين المشهود له قرابة الولاد ولا زوجية وأن لا يدفع عن نفسه مغرما وأن لا يجلب لنفسه مغنما وأن لا يكون بينه وبين المشهود عليه عداوة دنيوية كما سيأتي مفصلا والظاهر أنهم إنما تركوا هذه؛ لأن مرادهم بيان شرائط الشهادة في الجملة لا بالنظر إلى المشهود له والمشهود عليه ولذا ترى بعضهم ترك قيد الإسلام لجواز شهادة الكافر على مثله والأحسن ما في البدائع من أن شرائطها نوعان ما هو شرط تحملها وما هو شرط أدائها فالأول ثلاثة العقل وقت التحمل والبصر فلا يصح تحملها من مجنون وصبي لا يعقل وأعمى وأن يكون التحمل بمعاينة المشهود به بنفسه لا بغيره إلا في أشياء مخصوصة يصح التحمل فيها بالتسامع ولا يشترط للتحمل البلوغ والحرية والإسلام والعدالة حتى لو كان وقت التحمل صبيا عاقلا أو عبدا أو كافرا أو فاسقا ثم بلغ الصبي وعتق العبد وأسلم الكافر وتاب الفاسق فشهدوا عند القاضي تقبل وأما شرائط أدائها فأربعة أنواع منها ما يرجع إلى الشاهد ومنها ما يرجع إلى نفس الشهادة ومنها ما يرجع إلى مكانها ومنها ما يرجع إلى المشهود به‏.‏ فما يرجع إلى الشاهد البلوغ والحرية والبصر والنطق والعدالة لكن هي شرط وجوب القبول على القاضي لا جوازه وأن لا يكون محدودا في قذف وأن لا يجر الشاهد إلى نفسه مغنما ولا يدفع عن نفسه مغرما فلا تقبل شهادة الفرع لأصله والأصل لفرعه وأحد الزوجين للآخر وأن لا يكون خصما فلا تقبل شهادة الوصي لليتيم والوكيل لموكله وأن يكون عالما بالمشهود به وقت الأداء ذاكرا له فلا يجوز اعتماده على خطه من غير تذكر عنده خلافا لهما، وأما ما يخص بعضها فالإسلام إن كان المشهود عليه مسلما والذكورة في الشهادة بالحد والقصاص وتقدم الدعوى فيما إذا كان من حقوق العباد وموافقتها للدعوى فيما يشترط فيها فإن خالفتها لم تقبل إلا إذا وافق المدعي عند إمكانه وقيام الرائحة في الشهادة على شرب الخمر ولم يكن سكرانا لا لبعد مسافة والأصالة في الشهادة بالحدود والقصاص وتعذر حضور الأصل في الشهادة على الشهادة، وما يرجع إلى الشهادة لفظ الشهادة والعدد في الشهادة بما يطلع عليه الرجال واتفاق الشاهدين وما يرجع إلى مكانها واحد وهو مجلس القضاء وما يرجع إلى المشهود به قد علم من الشرائط الخاصة فالحاصل أن شرائطها أحد وعشرون‏:‏ شرائط التحمل ثلاثة وشرائط الأداء سبعة عشر منها عشر شرائط عامة ومنها سبعة شرائط خاصة وشرائط نفس الشهادة ثلاثة وشرط مكانها واحد وسيأتي صفة الشاهد الذي ينصبه القاضي شاهدا للناس، والرابع سبب وجوبها طلب ذي الحق أو خوف فوت حقه فإن من عنده شهادة لا يعلم بها صاحب الحق وخاف فوت الحق يجب عليه أن يشهد بلا طلب‏.‏ الخامس حكمها وجوب الحكم على القاضي‏.‏ السادس في صفتها تحملا وأداء وسيأتي‏.‏ السابع في بيان أن القياس عدم قبولها لاحتمال الكذب لكن لما شرطت العدالة ترجح جانب الصدق ووردت النصوص بالاستشهاد جعلت موجبة‏.‏ الثامن محاسنها كثيرة منها امتثال الأمر في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كونوا قوامين لله شهداء بالقسط‏}‏ وهو حسن‏.‏ التاسع في دليلها وهو الكتاب والسنة والإجماع‏.‏ العاشر في أهلها وقد علم من الشرائط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتلزم بطلب المدعي‏)‏ أي ويلزم أداؤها الشاهد إذا طلبه المدعي فيحرم كتمانها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه‏}‏ فهو نهي عن الكتمان فيكون أمرا بضده حيث كان له ضد واحد وهو آكد من الأمر بأدائها ولذا أسند الإثم إلى رأس الأعضاء وهو الآلة التي وقع بها أداؤها لما عرف أن إسناد الفعل إلى محله أقوى من الإسناد إلى كله فقوله أبصرته بعيني آكد من قوله أبصرته وفسر الإمام الرازي في أحكام القرآن الكتمان بعقد القلب على ترك الأداء باللسان وفسر البغوي آثم بفاجر وأن الله يمسخ قلبه بالكتمان وفيه أنه ليس في القرآن وعيد أشد منه واستدل في الهداية بهذه الآية على فرضيتها مع احتمال أن إيراد نهي المدينين عن كتمانها كما احتمل أن يراد نهي الشهود قال القاضي ولا تكتموا الشهادة أيها الشهود أو المدينون والشهادة شهادتهم على أنفسهم ا هـ‏.‏ فعلى الثاني المراد النهي عن كتمان الإقرار بالدين فالأولى الاستدلال على فرضيتها بالإجماع واحتمل أن الضمير في قول المؤلف تلزم عائد إلى الشهادة بمعنى تحملها لا بمعنى أدائها فإن تحملها عند الطلب والتعيين فرض كما سيأتي‏.‏ وعلى هذا فما في فتح القدير من أنه إن أريد بها تحملها فالنهي لكراهة التنزيه التي مرجعها خلاف الأولى مشكل وذكر الإمام الرازي في أحكام القرآن أن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا‏}‏ عام في التحمل والأداء لكن في التحمل على المتعاقدين الحضور إليهما للإشهاد ولا يلزم الشاهدين الحضور إليهما وفي الأداء يلزمهما الحضور إلى القاضي لا أن القاضي يأتي إليهما ليؤديا ثم قال إن الشهادة فرض كفاية إذا قام بها البعض سقط عن الباقين وتتعين إذا لم يكن إلا شاهدان سواء كانت للتحمل أو الأداء ا هـ‏.‏ فعلى هذا يقال إنها تلزم أي تفترض كفاية ثم صرح بأن عليهما الكتابة إذا لم يوجد غيرهما إذا كان الحق مؤجلا وإلا فلا ثم إنما يلزم أداؤها بشروط‏:‏ الأول طلب المدعي فيما كان من حقوق العباد حقيقة أو حكما وإنما قلنا أو حكما ليدخل من عنده شهادة لا يعلم بها صاحب الحق وخاف فوت الحق فإنه يجب عليه أن يشهد بلا طلب كما في فتح القدير لكونه طالبا لأدائه حكما وإنما قيدنا بحقوق العباد لما في القنية أجاب المشايخ في شهود شهدوا بالحرمة المغلظة بعدما أخروا شهادتهم خمسة أيام من غير عذر أنها لا تقبل إن كانوا عالمين بأنهما يعيشان عيش الأزواج ثم نقل عن العلاء الحمامي والخطيب الأنماطي وكمال الأئمة البياعي شهدوا بعد ستة أشهر بإقرار الزوج بالطلقات الثلاث لا تقبل إذا كانوا عالمين بعيشهم عيش الأزواج وكثير من المشايخ أجابوا كذلك في جنس هذا وإن كان تأخيرهم بعذر تقبل مات عن امرأة وورثة فشهد الشهود أنه كان أقر بحرمتها حال صحته ولم يشهدوا بذلك حال حياته لا تقبل إذا كانت هذه المرأة مع هذا الرجل وسكتوا؛ لأنهم فسقوا إلى آخر ما فيها‏.‏ الثاني أن يعلم أن القاضي يقبل شهادته فإن علم أنه لا يقبلها لا يلزمه‏.‏ الثالث أن يتعين عليه الأداء فإن لم يتعين بأن كانوا جماعة فأدى غيره ممن تقبل شهادته فقبلت لم يأثم بخلاف ما إذا أدى غيره ولم تقبل فإن من لم يؤد ممن يقبل يأثم بامتناعه وهذا إذا لم تكن شهادته أسرع قبولا من غيره فإن كانت أسرع وجب الأداء وإن كان هناك من تقبل شهادته كما في فتح القدير‏.‏ الرابع أن لا يخبر عدلان ببطلان المشهود به فلو شهد عند الشاهد عدلان أن المدعي قبض دينه أو أن الزوج طلقها ثلاثا أو أن المشتري أعتق العبد أو أن الولي عفا عن القاتل لا يسعه أن يشهد بالدين والنكاح والبيع والقتل كما في الخلاصة وإن لم يكن المخبر عدولا فالخيار للشهود إن شاءوا شهدوا بالدين وأخبروا القاضي بخبر القضاء وإن شاءوا امتنعوا عن الشهادة‏.‏ كذا في البزازية وإن كان المخبر واحدا عدلا لا يسعه ترك الشهادة به وكذا لو قالا عاينا إرضاعهما من امرأة واحدة وكذا لو عاينا واحدا يتصرف في شيء تصرف الملاك وشهد عدلان عنده أن هذا الشيء لفلان آخر لا يشهدان أنه للمتصرف بخلاف إخبار الواحد العدل ولو أخبره عدلان أنه باعه من ذي اليد له أن يشهد بما علم ولا يلتفت إلى قولهما كذا في البزازية أيضا وفيها في الشهادة بالتسامع إذا شهد عندك عدلان بخلاف ما سمعته ممن وقع في قلبك صدقه لم يسع لك الشهادة إلا إذا علمت يقينا أنهما كاذبان وإن شهد عندك عدل بخلاف ما وقع في قلبك من سماع الخبر لك أن تشهد بالأول إلا أن يقع في قلبك صدق الواحد في الأمر الثاني ا هـ‏.‏ وينبغي أن يكون الاستثناءان في كل شهادة كما لا يخفى‏.‏ الخامس أن يكون القاضي الذي طلب الشاهد للأداء عنده عدلا لما في البزازية وأجاب خلف بن أيوب فيمن له شهادة فرفعت إلى قاضي غير عدل له أن يمتنع عن الأداء حتى يشهد عند قاض عدل ا هـ‏.‏ وجزم به في السراجية معللا بأنه ربما لا يقبل ويجرح ا هـ‏.‏ فعلى هذا لو غلب على ظنه أنه يقبله لشهرته مثلا ينبغي أن يتعين عليه الأداء وكذا المعدل لو سأل عن الشاهد فأخبر بأنه غير عدل لا يجب عليه أن يعدله عنده وهي في أدب القضاء للخصاف‏.‏ السادس أن لا يقف الشاهد على أن المقر أقر خوفا فإن علم بذلك لا يشهد فإن قال المقر أقررت خوفا وكان المقر له سلطانا فإن كان في يد عون من أعوان السلطان ولم يعلم الشاهد بخوفه شهد عند القاضي وأخبره أنه كان في يد عون من أعوان السلطان كما في البزازية‏.‏ السابع أن يكون موضع الشاهد قريبا من موضع القاضي فإن كان بعيدا بحيث لا يمكنه أن يغدو إلى القاضي لأداء الشهادة ويرجع إلى أهله في يومه ذلك قالوا لا يأثم؛ لأنه يلحقه الضرر بذلك وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يضار كاتب ولا شهيد‏}‏ ثم إن كان الشاهد شيخا كبيرا لا يقدر على المشي إلى مجلس الحاكم وليس له شيء للركوب فأركبه المدعي من عنده قالوا لا بأس به وتقبل به شهادته لأنه من باب الإكرام للشهود وفي الحديث‏:‏ «أكرموا الشهود» وإن كان يقدر وأركبه المدعي من عنده قالوا لا تقبل كذا ذكره الشارح وفي القنية الشهود في الرستاق واحتيج إلى أداء شهادتهم هل يلزمهم كراء الدابة قال لا رواية فيه ولكني سمعت من المشايخ أنه يلزمهم ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير ولو وضع للشهود طعاما فأكلوا إن كان مهيأ من قبل ذلك تقبل وإن صنعه لأجلهم لا تقبل وعن محمد لا تقبل فيهما وعن أبي يوسف تقبل فيهما للعادة الجارية بإطعام من حل محل الإنسان ممن يعز عليه شاهدا أو لا ويؤنسه ما تقدم من أن الإهداء إذا كان بلا شرط ليقضي حاجته عند الأمير تجوز كذا قيل وفيه نظر فإن الأداء فرض بخلاف الذهاب إلى الأمير ا هـ‏.‏ وجزم في الملتقط بالقبول مطلقا وفي شرح منظومة ابن وهبان للمصنف الفتوى على قول أبي يوسف وأشار المؤلف رحمه الله إلى أن الشاهد إذا لزمه الأداء بالشروط المذكورة فيه فلم يؤد بلا عذر ظاهر ثم أدى فإنها لا تقبل ذكره شيخ الإسلام لتمكن التهمة فيه إذ يمكن أن تأخيره لعذر ويمكن أنه لاستجلاب الأجرة وتعقبه في فتح القدير بقوله والوجه القبول ويحمل على العذر من نسيان ثم تذكر أو غيره ا هـ‏.‏ وإلى أن التحمل كالأداء فيلزم عند خوف الضياع وفي البزازية لا بأس للرجل أن يتحرز عن قبول الشهادة وتحملها، طلب منه أن يكتب شهادته أو يشهد على عقد أو طلب منه الأداء إن كان يجد غيره فله الامتناع وإلا لا ا هـ‏.‏ وفي الملتقط الإشهاد على المداينات والبيوع فرض كذا رواه نصير ا هـ‏.‏ وذكر الإمام الرازي في أحكام القرآن أن الإشهاد على المبايعات والمداينات مندوب إلا النزر اليسير كالخبز والماء والبقل وأطلقه جماعة من السلف حتى في البقل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وسترها في الحدود أحب‏)‏ لقوله عليه الصلاة والسلام للذي شهد عنده «لو سترته بثوبك لكان خيرا لك» والمخاطب هزال والضمير في سترته لماعز رضي الله عنه وتعقب الاستدلال بذلك فإن ماعزا أقر بالزنا ولم يشهد عليه أحد وإنما هزال أشار عليه بالإقرار فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم لهزال ذلك قال لم أدر أن في الأمر سعة وللحديث‏:‏ «من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة» وفيما نقل من تلقين الدرء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم دلالة ظاهرة على أفضلية الستر وأفاد بقوله‏:‏ أحب أن عدمه جائز إقامة للحسية لما فيه من إزالة الفساد أو تقليله فكان حسنا ولا يعارضه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا‏}‏ الآية لأن ظاهرها أنهم يحبون ذلك لأجل إيمانهم وذلك صفة الكافر ولأن مقصود الشاهد ارتفاعها لا إشاعتها وكذا لا يعارض أفضلية الستر آية النهي عن كتمانها لأنها من حقوق العباد بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا‏}‏ إذ الحدود لا مدعي فيها ورد قول من قال إنها في الديون بأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب كما ذكره الرازي أو لأنه عام مخصوص بأحاديث الستر وفي فتح القدير‏.‏ فإن قلت‏:‏ كيف صح لك القول بتخصيص عام الكتاب بهذه وهي أخبار آحاد وأيضا شرط التخصيص عندكم المقارنة ومن أين ثبت لك ذلك قلت‏:‏ هذه الأخبار الواردة في طلب الستر بلغت مبلغا لا ينحط بها عن درجة الشهرة لتعدد متونها مع قبول الأمة لها فصح التخصيص بها أو هي مستند الإجماع على تخيير الشاهد في الحدود فثبوت الإجماع دليل ثبوت المخصص‏.‏ وأما المقارنة فإنما هي شرط التخصيص في نفس الأمر وهذا التخصيص الذي ادعيناه ليس بذلك بل هو جمع للمعارضة على ما كتبناه في التعارض في كتاب تحرير الأصول من أن الجمع بين العام والخاص إذا تعارضا بأن يحمل على تخصيصه به فإذا وجب حمله على ذلك تضمن الحكم منا بأنه كان مقارنا أو لأنها ليست مخصصات أول كما إذا رجحنا في التعارض المحرم على المبيح وثبت صحتها تضمن حكمنا بأن المبيح كان مقدما على المحرم فنسخ حكم الوجوب ترجيح المحرم وإن لم يعلم تقدمه بعلم تاريخه وكثيرا ما يعترض بعض متأخري الشارحين على كثير من المواضع المحكوم فيها بالتخصيص من أصحابنا بأن المقارنة غير معلومة فلا يثبت التخصيص ومرادهم في تلك الأماكن ما ذكرنا هذا كله إذا نظرنا إلى مجرد إطلاق قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا‏}‏ أما إذا قيدناه بما إذا دعوا للشهادة في الدين المذكور أول الآية فظاهر‏.‏ ا هـ‏.‏ والأخير مردود بما قدمناه وفيه أيضا من كتاب الحدود وإذا كان الستر مندوبا إليه ينبغي أن تكون الشهادة به خلاف الأولى التي مرجعها إلى كراهة التنزيه؛ لأنها في رتبة الندب في جانب الفعل وكراهة التنزيه في جانب الترك وهذا يجب أن يكون بالنسبة إلى من لم يعتد الزنا ولم يتهتك به أما إذا وصل الحال إلى إشاعته والتهتك به بل بعضهم ربما افتخر به فيجب كون الشهادة أولى من تركها؛ لأن مطلوب الشارع إخلاء الأرض من المعاصي والفواحش بالخطابات المفيدة لذلك وذلك يتحقق بالتوبة من الغافلين وبالزجر لهم فإذا ظهر حال الشهرة في الزنا مثلا والشرب وعدم المبالاة به وإشاعته فإخلاء الأرض المطلوب حينئذ بالتوبة احتمال يقابله ظهور عدمها ممن اتصف بذلك فيجب تحقيق السبب الآخر للإخلاء وهو الحدود خلاف من زنى مرة أو مرارا مستترا متخوفا متندما عليه فإنه محل استحباب ستر الشاهد وقوله عليه الصلاة والسلام لهزال في ماعز لو كنت سترته بثوبك الحديث وسيأتي كان في مثل من ذكرنا وعلى هذا ذكره في غير مجلس القاضي وأداء الشهادة بمنزلة الغيبة فيه فيحرم منه ما يحرم منها ويحل منه ما يحل منها‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويقول في السرقة أخذ لا سرق‏)‏ إحياء لحق المسروق منه ولا يقول سرق محافظة على الستر ولأنه لو ظهرت السرقة لوجب القطع والضمان لا يجامع القطع فلا يحصل إحياء حقه وصرح في غاية البيان بأن قوله أخذ أولى من سرق وعلى هذا فيحمل قول القدوري وجب أن يقول أخذ على معنى ثبت لا الوجوب الفقهي وقوله في العناية فتعين ذلك مع قوله لا يجوز أي أن يقول سرق تسامح وإنما الكلام في الأفضل وكل منهما جائز وحكى الفخر الرازي في التفسير أن هارون الرشيد كان مع جماعة الفقهاء وفيهم أبو يوسف فادعى رجل على آخر بأنه أخذ ماله من بيته فأقر بالأخذ فسأل الفقهاء فأفتوا بقطع يده فقال أبو يوسف لا؛ لأنه لم يقر بالسرقة وإنما أقر بالأخذ فادعى المدعي أنه سرق فأقر بها فأفتوا بالقطع وخالفهم أبو يوسف فقالوا له لم قال؛ لأنه ما أقر أولا بالأخذ وثبت الضمان عليه وسقط القطع فلا يقبل إقراره بعده بما يسقط الضمان عنه فعجبوا‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وشرط للزنا أربعة رجال‏)‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم‏}‏ ولقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم لم يأتوا بأربعة شهداء‏}‏ ولفظ أربعة نص في العدد والذكورة كذا في البناية وأورد إنكم لا تقولون بالمفهوم فمن أين لكم عدم جواز الأقل فأجاب الزيلعي بأنه بالإجماع وأورد المعارضة بين هذه وبين قوله‏:‏ ‏{‏فاستشهدوا شهيدين‏}‏ الآية وأجاب في فتح القدير بأنها مبيحة وتلك مانعة والتقديم للمانع وقدمنا في الحدود أنه يجوز كون الزوج أحدهم إلا في مسألتين أن يقذفها الزوج أولا ثم يشهد مع ثلاثة وأن يشهد معهم على زناها بابنه مطاوعة ثم اعلم أن العتق المعلق بالزنا يقع بشهادة رجلين وإن لم يحد المولى ويستحلف المولى إذا أنكره للعتق وفيه خلاف ذكره في الخانية وأدب القضاء للخصاف اعلم أنه يجوز أن يكون من الأربعة ابن زوجها وحاصل ما ذكره في المحيط البرهاني أن الرجل إذا كان له امرأتان ولإحداهما خمس بنين فشهد أربعة منهم على أخيهم أنه زنى بامرأة أبيهم تقبل إلا إذا كان الأب مدعيا أو كانت أمهم حية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولبقية الحدود والقصاص رجلان‏)‏ أي وشرط لها شهادة رجلين لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واستشهدوا‏}‏ الآية فلا تقبل شهادة النساء فيها لحديث الزهري «مضت السنة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده أن لا شهادة للنساء في الحدود والقصاص» ولأن فيها شبهة البدلية لقيامها مقام شهادة الرجال فلا تقبل فيما تندرئ بالشبهات كذا في الهداية وإنما لم يكن فيها حقيقة البدلية؛ لأنها إنما تكون فيما امتنع العمل بالبدل مع إمكان الأصل وليست كذلك فإنها جائزة مع إمكان العمل بشهادة الرجلين كذا في العناية وغيرها وفي خزانة الأكمل لو قضى بشهادة رجل وامرأتين في الحدود والقصاص وهو يراه أو لا يراه ثم رفع إلى آخر أمضاه ا هـ‏.‏ ومعنى الآية على ما ذكره الشارح إن لم يشهدا حال كونهما رجلين فليشهد رجل وامرأتان ولولا هذا التأويل لما اعتبر شهادتهن مع وجود الرجال وشهادتهن معتبرة معهم عند الاختلاط بالرجال حتى إذا شهد رجال ونسوة بشيء يضاف الحكم إلى الكل حتى يجب الضمان على الكل عند الرجوع ا هـ‏.‏ وذكر البقاعي في المناسبات معزيا إلى الحراني وفي عموم معنى الكون إشعار بتطرق شهادة المرأتين مع إمكان طلب الرجل بوجه ما من حيث لم يقل فإن لم تجدوا ا هـ‏.‏ وفي الولوالجية رجل قال إن شربت الخمر فمملوكي حر فشهد رجل وامرأتان أنه شرب الخمر عتق العبد ولا يحد؛ لأن هذه شهادة لا مجال لها في الحدود ولو قال إن سرقت من فلان شيئا فعلى قياس ما ذكرنا ينبغي أن يضمن المال ويعتق العبد ولا يقطع ا هـ‏.‏ وعزا المسألتين في الخانية إلى أبي يوسف ثم قال والفتوى فيهما على قول أبي يوسف وفي خزانة الأكمل في مسألة السرقة أضمنه ولا أعتقه عن محمد وفي خزانة الأكمل شهدا أنه أعتق عبده ثم شهد أربعة بأنه زنى وهو محصن فأعتقه القاضي ثم رجمه ثم رجع الكل ضمن شاهدا الإعتاق قيمته لمولاه وشهود الزنا ديته لمولاه أيضا إن لم يكن له وارث غيره‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وللولادة والبكارة وعيوب النساء فيما لا يطلع عليه رجل امرأة‏)‏ أي وشرط امرأة أي شهادتها للحديث شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه والجمع المحلى بالألف واللام يراد به الجنس فيتناول الأقل وهو الواحد وهو حجة على الشافعي في اشتراط الأربع ولأنه إنما سقط الذكورة ليخف النظر؛ لأن نظر الجنس أخف فكذا يسقط اعتبار العدد لأن المثنى والثلاث أحوط لما فيه من معنى الإلزام ثم حكمها في الولادة شرحناه في باب ثبوت النسب وفي البكارة شرحناه في باب العنين من أنهن إن شهدن ببكارتها يؤجل العنين سنة ويفرق بعده؛ لأنها تأيدت بمؤيد إذ البكارة أصل وكذا في رد البيع إذا اشتراها بشرط البكارة وإن قلن إنها ثيب يحلف البائع لينضم نكوله إلى قولهن والعيب يثبت بقولهن فيحلف البائع كذا في الهداية وأورد عليه أنه لو ثبت العيب بقولهن لم يحلف البائع بل نرد عليه الجارية فكيف يكون تحليف البائع نتيجة لثبوت العيب في الجارية بل ثبوت العيب بقولهن يثبت الرد لا التحليف وأجاب عنه في النهاية بأن ثبوته بقولهن لسماع الدعوى وفي حق التحليف إذ لولا شهادتهن لم يحلف البائع وكان القول له بلا يمين لتمسكه بالأصل وهو البكارة ا هـ‏.‏ وظاهر اقتصاره على الثلاثة يفيد أن قول المرأة بل النساء لا يقبل في غيرها ولكن في خزانة الأكمل لو شهد عنده نسوة عدول أنها امرأة فلان أو ابنته وسعته الشهادة ا هـ‏.‏ وفيها يقبل تعديل المرأة ولا تقبل ترجمتها وأطلق في الولادة ويستثنى منه الشهادة على استهلال الصبي في حق الإرث عند أبي حنيفة؛ لأنه مما يطلع عليه الرجال ويمكن أن يخرج من كلام المصنف بقوله فيما لا يطلع عليه رجل إن كان قيدا في الكل وإن كان الظاهر رجوعه إلى الأخير، وأما في حق الصلاة فتقبل شهادتها اتفاقا؛ لأنها من أمور الدين وعندهما تقبل في حق الإرث أيضا وبقولهما قال الشافعي وأحمد وهو أرجح كذا في فتح القدير وتقدمت في باب ثبوت النسب وأشار بقوله فيما لا يطلع عليه رجل إلى أن الرجل لو شهد لا تقبل شهادته وهو محمول على ما إذا قال تعمدت النظر أما إذا شهد بالولادة وقال فاجأتها فاتفق نظري عليها تقبل شهادته إذا كان عدلا كما في المبسوط وفي خزانة الأكمل ولا تقبل شهادة الكافرة والمملوكة وإنما تقبل شهادة الحرة المسلمة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولغيرها رجلان أو رجل وامرأتان‏)‏ للآية أطلقه فشمل المال وغيره كالنكاح والطلاق والوكالة والوصية والعتاق والنسب؛ لأن الأصل في شهادة النساء القبول لوجود ما يبتنى عليه أهلية الشهادة وهي المشاهدة والضبط والأداء ونقصان الضبط بزيادة النسيان انجبر بضم الأخرى إليها فلم يبق بعد ذلك إلا الشبهة ولهذا لا تقبل فيما يندرئ بالشبهات وهذه الحقوق تثبت بالشبهات وإنما لا تقبل شهادة الأربع من غير رجل كي لا يكثر خروجهن وحكي أن أم بشر شهدت عند الحاكم فقال الحاكم فرقوا بينهما فقالت ليس لك ذلك قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى‏}‏ فسكت الحاكم كذا في الملتقط وقد حقق الأكمل في العناية هنا تحقيقا حسنا كما هو دأبه فقال لا نقصان في عقلهن فيما هو مناط التكليف وبيان ذلك؛ لأن للنفس الإنسانية أربع مراتب‏:‏ الأولى استعداد العقل ويسمى العقل الهيولاني وهو حاصل لجميع أفراد الإنسان من مبدأ فطرتهم، والثانية أن يحصل البديهيات باستعمال الحواس في الجزئيات فتتهيأ لاكتساب الفكريات ويسمى العقل بالملكة وهو مناط التكليف، والثالثة أن تحصل النظريات المفروغ عنها متى شاء من غير افتقار إلى اكتساب بالفكرة ويسمى العقل بالفعل، والرابعة هو أن يستحضرها ويلتفت إليها مشاهدة ويسمى العقل المستفاد وليس فيما هو مناط التكليف منها وهو العقل بالملكة فيهن نقصان بمشاهدة حالهن في تحصيل البديهيات باستعمال الحواس في الجزئيات وبالنسبة إن ثبتت فإنه لو كان في ذلك نقصان لكان تكليفهن دون تكليف الرجال في الأركان وليس كذلك وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ناقصات عقل» المراد به العقل بالفعل ولذلك لم يصلحن للولاية والخلافة والإمارة ا هـ‏.‏ وهكذا ذكره في آخر التوضيح ومثل الأول في التلويح بقوة الطفل على الكتابة والثاني باستعداد الرجل الأمي للكتابة والثالث باستعداد القادر على الكتابة والرابع بقدرته على الكتابة حالة الكتابة أوردت على قوله ولغيرها الشهادة بإسلام الكافر فإنه لا تقبل فيه شهادة النساء كما صرح به في الخلاصة من ألفاظ التكفير وكأنه لكونها تجر إلى قتله إذا أصر على كفره فصار كالشهادة بالحدود والقصاص ولم أر من نبه عليه وقيده في البزازية بالرجل أما إذا كان المشهود عليه بالإسلام امرأة فإنها تقبل شهادة رجل وامرأتين بإسلامها والحاصل أن المشهود عليه بالإسلام إذا كان رجلا لا يقبل فيه شهادة النساء ولا الكفار وأما الشهادة بردة المسلم فلا يقبل فيها شهادة النساء كما ذكره في العناية من السير‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ للكل لفظ الشهادة والعدالة‏)‏ أي وشرط لجميع أنواعها لفظ أشهد بالمضارع فلا يقوم غيره مقامه لما قدمناه أولها وقدمنا أن لفظها ركن فالمراد بالشرط هنا ما لا بد منه ليشمل الركن والشرط وقد أفاد أنه لا بد من لفظها في شهادة النساء أيضا وهو المعتمد خلافا للعراقيين لأنهم يجعلونها من باب الإخبار لا الشهادة والصحيح الأول؛ لأنها شهادة يشترط لها الحرية في مجلس القاضي ولا بد من شرط آخر لجميع أنواعها وهو التفسير حتى لو قال أشهد بمثل شهادته لا تقبل ولو قال أشهد مثل شهادة صاحبي لا تقبل عند الخصاف وعند عامة مشايخنا تقبل وقيده الأوزجندي بما إذا قال لهذا المدعي على هذا المدعى عليه وبه يفتى كذا في الخلاصة وقال الحلواني إن كان فصيحا لا يقبل منه الإجمال وإن كان عجميا يقبل بشرط أن يكون بحال إن استفسر بين وقال السرخسي إن أحس القاضي بخيانته كلفه التفسير وإلا لا وفي البزازية وقال الحلواني لو أقر المدعي أو وكيله فقال الشاهد أشهد بما ادعاه هذا المدعي على هذا المدعى عليه أو قال المدعي في يده بغير حق يصح عندنا ا هـ‏.‏ واعلم أن المصنف تبع صاحب الهداية وغيره في اشتراط العدالة كلفظ الشهادة تسوية منهم بينهما وليس كذلك؛ لأن لفظ الشهادة شرط لصحة الأداء بل ركنه كما قدمناه، وأما العدالة فليست شرطا في صحة الأداء وإنما ظهورها شرط وجوب القضاء على القاضي كما قدمناه عن البدائع ولهذا قال في الهداية لو قضى القاضي بشهادة الفاسق صح عندنا زاد في فتح القدير وكان القاضي عاصيا قال وعن أبي يوسف أن الفاسق إذا كان وجيها في الناس كمباشري السلطان والمكسة وغيرهم تقبل شهادته؛ لأنه لا يستأجر لشهادة الزور لوجاهته ويمتنع عن الكذب لمروءته والأول أصح؛ لأن هذا تعليل لمقابلة النص فلا يقبل ا هـ‏.‏ وفسر في العناية الوجيه بأن يكون ذا قدر وشرف وفسر المروءة بالإنسانية قال والهمزة وتشديد الواو فيهما لغتان ا هـ‏.‏ وعلى هذا فما في القنية شارب الخمر يستحي ويرتدع إذا زجر فللقاضي أن يقبل شهادته إن كان ذا مروءة وتحرى في مقالته فوجده صادقا ا هـ‏.‏ محمول على ما روي عن أبي يوسف‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وسأل عن الشهود سرا وعلنا في سائر الحقوق‏)‏ أي وسأل القاضي عنهم في السر والعلانية وهو قول أبي يوسف ومحمد؛ لأن القضاء مبني على الحجة وهي شهادة العدول فيتعرف عن العدالة وفيه صون قضائه عن البطلان وقال أبو حنيفة يقتصر الحاكم على ظاهر العدالة في المسلم ولا يسأل حتى بطعن الخصم لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «الناس عدول بعضهم على بعض إلا محدودا في قذف» ومثل ذلك عن عمر رضي الله عنه ولأن الظاهر هو الانزجار عما هو محرم دينه وبالظاهر كفاية إذ لا وصول إلى القطع إلا في الحدود والقصاص فإنه يسأل عنهم للاحتيال في إسقاطها فيستقصي ولأن الشبهة فيها دارئة‏.‏ والحاصل أنه إن طعن الخصم سأل عنهم في الكل وإلا سأل في الحدود والقصاص وفي غيرها محل الاختلاف وقيل هذا اختلاف عصر وزمان والفتوى على قولهما في هذا الزمان كذا في الهداية ومحل السؤال على قولهما عند جهل القاضي بحالهم ولذا قال في الملتقط القاضي إذا عرف الشهود بجرح أو عدالة لا يسأل عنهم ا هـ‏.‏ ولم يذكر المؤلف صفة السؤال وصرح في الهداية بأنه لا بد منه ولم يبين أنه شرط أو لا وفي الملتقط قال أبو حنيفة التزكية بدعة وقال أبو يوسف لو قضى القاضي بغير تزكية الشهود أجزأت‏.‏ ا هـ‏.‏ فأفاد أن السؤال ليس بشرط صحة عندهما خصوصا قدمنا عن الهداية أنه لو قضى بشهادة الفاسق يصح عندنا من غير حكاية خلاف فكيف إذا قضى بشهادة المستور فلو قضى ثم ظهر أن الشهود فسقة لم ينقض القضاء وفي المحيط البرهاني من الحدود لو قضى بالحد ببينة ثم ظهر أنهم فساق بعدما رجم فإنه لا ضمان على القاضي؛ لأنه لم يظهر الخطأ بيقين ا هـ‏.‏ وهذا يدل على أن القاضي لو قضى في الحدود قبل السؤال بظاهر العدالة فإنه يصح وإن كان آثما فقوله في الهداية يشترط الاستقصاء معناه يجب ومعنى قول الإمام يقتصر الحاكم يجوز اقتصاره لا أنه يجب اقتصاره وفي التهذيب للقلانسي وفي زماننا لما تعذرت التزكية بغلبة الفسق اختار القضاة كما اختار ابن أبي ليلى استحلاف الشهود لغلبة الظن ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ولا يضعفه ما في الكتب المعتمدة كالخلاصة والبزازية من أنه لا يمين على الشاهد؛ لأنه عند ظهور عدالته والكلام عند خفائها خصوصا في زماننا أن الشاهد مجهول الحال وكذا المزكي غالبا والمجهول لا يعرف المجهول وفي الملتقط عن غسان بن محمد المروزي قال قدمت الكوفة قاضيا عليها فوجدت فيها مائة وعشرين عدلا فطلبت أسرارهم فرددتهم إلى ستة ثم أسقطت أربعة فلما رأيت ذلك استعفيت واعتزلت‏.‏ قال الفقيه لو استقصى القاضي مثل ذلك لضاق الأمر ولا يوجد مؤمن بغير عيب كما قيل فلست بمستبق أخا لا تلمه على شعث أي الرجال المهذب وقال عمر رضي الله عنه إن الله تعالى تولى منكم السرائر وذوى عنكم بالبينات ا هـ‏.‏ ثم التزكية في السر أن يبعث المستورة إلى المعدل فيها النسب والحلي والمصلي ويردها المعدل كل ذلك في السر كي لا يظهر فيخدع أو يقصد وفي الخانية لا بد من أن يجمع بين المعدل والشاهد لتنتفي شبهة تعديل غيره وقد كانت العلانية وحدها في الصدر الأول ووقع الاكتفاء بالسر في زماننا تحرزا عن الفتنة ويروى عن محمد تزكية العلانية بلاء وفتنة ثم قيل لا بد أن يقول المعدل هو عدل جائز الشهادة؛ لأن العبد قد يعدل وقيل يكتفى بقوله هو عدل؛ لأن الحرية ثابتة بأصل الدار وهذا أصح كما في الهداية وفي السراجية والفتوى على أنه يسأل في السر وقد تركت التزكية في العلانية في زماننا كي لا يخدع المزكي ولا يخون ا هـ‏.‏ فقد علمت أن ما في المتن على خلاف المفتى به وهو الاقتصار على السر ويدل عليه ما في الهداية أيضا والمستورة اسم الرقعة التي كتبها القاضي ويبعثها سرا بيد أمينه إلى المزكي سميت المستورة؛ لأنها تستر عن نظر العوام‏.‏ كذا في النهاية فمن عرف الشاهد بالعدالة كتب تحت اسمه هو عدل جائز الشهادة ومن لم يعرفه بشيء كتب هو مستور ومن عرفه بالفسق لم يصرح بل يسكت احترازا عن هتك الستر أو يكتب الله أعلم به إلا إذا عدله غيره وخاف أنه لو لم يصرح بذلك يقضي القاضي بشهادته فحينئذ يصرح بذلك كذا في غاية البيان وأراد بقوله ويسأل عن الشهود أي عن عدالتهم على حذف مضاف وإنما قدرناه؛ لأنه لا يسأل عن حرية الشاهد وإسلامه ما لم ينازعه الخصم وما ذكره في الجامع من أن الناس أحرار إلا في الشهادة والحدود والقصاص والعقل فإنه لا يكتفى بظاهر الحرية في هذه المواضع بل يسأل محمول على ما إذا طعن الخصم بالرق كما قيده القدوري رحمه الله كذا ذكر الشارح وثبوت حرية الشاهد إما بإقامة البينة عليها أو بالإخبار للقاضي كالعدالة والأول أحب وأحسن؛ لأن الأهلية للشهادة لا تثبت إلا بالحرية وتثبت بدون العدالة ولأن الحرية والرق من حقوق العباد تجري فيها الخصومة وطريق الإثبات في مثلها للبينة فأما العدالة فلا تجري فيها الخصومة فيمكن معرفتها بالسؤال عن حاله كذا في المبسوط وفي القنية قال المدعى عليه في الشاهد أنه كافر بالله تعالى فللقاضي أن يسأله عن الإيمان إن اتهمه بذلك وإن كان يشهد بوحدانية الله تعالى ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم تقبل شهادته وكذا لو قال أنا مسلم ولست بكافر ولو سأله الحاكم فذكر في خلال سؤاله ما لا يجوز على الله للتجربة فهذا جهل من القاضي وحمق وقد أساء فيما فعل ولو جوز هذا كان وبالا على جميع المسلمين خصوصا في قضاة أهل الرساتيق فلو أنه تحمق وفعل لا يقبل شهادته‏.‏ ا هـ‏.‏ وأطلق في السؤال عن الشهود فشمل المسلم والكافر فيسأل عن النصراني إذا شهد على مثله وفي فتاوى عمر قارئ الهداية تزكية الذمي أن يزكيه بالأمانة في دينه ولسانه ويده وأنه صاحب يقظة ا هـ‏.‏ وقد أخذه من فتاوى الولوالجي وفي الملتقط نصراني عدل ثم أسلم قبلت شهادته ا هـ‏.‏ وفيه إذا سكر الذمي لا تقبل شهادته ا هـ‏.‏ وشمل السؤال عنه إذا شهد حين بلغ وهو ظاهر الخانية وفي الملتقط صبي احتلم لا أقبل شهادته ما لم أسأل عنه ولا بد أن يتأتى بعد البلوغ بقدر ما يقع في قلوب أهل مسجده ومحلته كما في الغريب أنه صالح أو غيره ا هـ‏.‏ وفرق في الظهيرية بينهما بأن النصراني كان له شهادة مقبولة قبل إسلامه بخلاف الصبي وهذا يدل على أن الأصل عدم العدالة ولم يذكر المؤلف ما يقوله المزكي إذا سئل؛ لأنه يختلف باختلاف الناس وقدمنا أنه يقول هو عدل وفي البزازية وينبغي أن يعدل قطعا ولا يقول هم عدول عندي لإخبار الثقات به ولو قال لا أعلم منهم إلا خيرا فهو تعديل في الأصح وفي النوازل التعديل أن يقول هم عدول عندي جازت شهادتهم وفي المنتقى إذا قال المزكي لا أعلم فيه إلا خيرا يكفي وإذا جرح الجارح الشهود يقول القاضي للمدعي زدني شهودا أو يقول لم تحمد شهودك ويكتب القاضي أسماء الشهود أولا ثم اسم من عدل‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الملتقط عن أبي يوسف التزكية أن يقول لا أعلم منه إلا خيرا وعن أبي يوسف أنه لو قال لا بأس به فقد عدله وعن محمد بن سلمة أن يقول هذا عندي عدل مرضي جائز الشهادة ا هـ‏.‏ واختار السرخسي أنه لا يكتفي بقوله هو عدل لأن المحدود في قذف بعد التوبة عدل غير جائز الشهادة وكذا الأب إذا شهد لابنه فلا بد من زيادة جائز الشهادة كما في الظهيرية وينبغي ترجيحه وفي الظهيرية من كتاب الشروط جواب المزكي على ثلاث مراتب أعلاها جائز الشهادات أو عدل خلافا للسرخسي في الثاني والثانية ثقة وهو من لا تقبل شهادته لا لفسقه ولكن لغفلة أو نحوها وبعض القضاة يقيمون كل ثقتين مقام عدل كذا ذكر الشيخ الإمام الحاكم السمرقندي والمرتبة الثالثة مستور والمستور هو الفاسق وفي عرف مشايخنا من لا يعرف حاله‏.‏ ا هـ‏.‏ ويكتفي بالسكوت من أهل العلم والصلاح فيكون سكوته تزكية للشاهد لما في الملتقط وكان الليث بن مساور قاضيا فاحتاج إلى تعديل شاهد وكان المزكي مريضا فعاده القاضي وسأله عن الشاهد فسكت المعدل ثم سأله فسكت فقال أسألك ولا تجيبني فقال المعدل أما يكفيك من مثلي السكوت ولما استقضى أبو مطيع أرسل الأمير إلى يعقوب القارئ يشاوره فسأله الرسول في الطريق عن أبي مطيع فقال يعقوب أبو مطيع أبو مطيع قال محمد بن سلمة إذا كان المعدل مثل يعقوب القارئ فلا بأس بمثل هذا التعديل‏.‏ ا هـ‏.‏ وسيأتي في مسائل الطعن في الشاهد عند بيان الجرح المجرد وغيره ولكن يحتاج هنا إلى بيان مسائل تعارض الجرح والتعديل فإذا سأل القاضي عن الشاهد ولم يزك طلب غيره فإن زكاه واحد وجرحه واحد فقد تعارضا فقال في البزازية فإن عدله أحدهما وجرحه الآخر تعارضا كأنه لم يسأل أحدا وإن عدله الثالث فالتعديل أولى وإن جرحه الثالث فالجرح أولى وذكر الصدر إذا جرح واحد وعدل واحد فعند الإمامين الجرح أولى كما لو كانا اثنين وعند محمد ما لم يتم بالواحد توقف الشهادة ولا يجيز حتى يسأل الآخر فإن جرحه تم الجرح وإن عدله تم التعديل فإن جرحه واحد وعدله اثنان فالتعديل أولى عندهم وإن جرحه اثنان وعدله عشرة فالجرح أولى فلو قال المدعي بعد الجرح أنا أجيء بقوم صالحين يعدلونهم قال في العيون قبل ذلك وفي النوادر أنه لا يقبل وهو اختيار ظهير الدين وعلى قول من يقبل إذا جاء بقوم ثقة يعدلونهم فالقاضي يسأل الجارحين فلعلهم جرحوا بما لا يكون جرحا عند القاضي لا يلتفت إلى جرحهم هذا ألطف الأقاويل ولو عدل الشهود سرا فقال الخصم أجيء في العلانية بمن يبين فيهم ما ترد به شهادتهم لا تقبل مقالته إلى أن قال إن الجرح أولى إلا إذا كان بينهم تعصب فإنه لا يقبل جرحهم لأن أصل الشهادة لا تقبل عند التعصب فالجرح أولى‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد ظهر من إطلاق كلامهم هنا أن الجرح يقدم على التعديل سواء كان مجردا أو لا عند سؤال القاضي عن الشاهد والتفصيل الآتي من أنه إن كان مجردا لا تسمع البينة به أو لا فتسمع إنما هو عند طعن الخصم في الشاهد علانية لكن في الملتقط فلو عدل فقال قوم إنا رأيناه أمس سكران أو يبايع بالربا أو يشرب الخمر إن كان شيئا يلزمه فيه حق من حد أو مال يرد على صاحبه ردت شهادته وإلا لا ا هـ‏.‏ وينبغي حمله على ما إذا كان علانية أما إذا أخبروه سرا فلا وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى وشمل إطلاقه ما إذا كان الشاهد غريبا فإن كان غريبا ولا يجد معدلا فإنه يكتب إلى قاضي بلده ليخبره عن حاله كما في البزازية وفي كشف الأسرار شرح أصول فخر الإسلام من بحث المجمل أنه على مثال رجل دخل بلدة لا يعرفه أهلها بالتأمل فيه بل بالرجوع إلى أهل بلدته حتى لو شهد لا يحل للقاضي أن يقضي بشهادته ولا للمزكي أن يعدله إلا بالرجوع إلى أهل بلدته ليعرف ا هـ‏.‏ وظاهر إطلاقه أيضا أنه يسأل عنهم في كل حادثة شهدوا فيها لكن قالوا لو عدل في حادثة وقضى به ثم شهد في أخرى فإن بعدت المدة أعيد وإلا لا وكذا غريب نزل بين ظهراني قوم لا يعدله قبل مضي ذلك الزمان‏.‏ وكذا إذا تخللت تلك المدة بين الشهادة والتعديل هل يؤثر في قبول الشهادة الماضية وكان الإمام الثاني يقول ذلك الزمان ستة أشهر ثم رجع إلى سنة ومحمد لم يقدره بل على ما يقع في القلوب الوثوق وعليه الفتوى كذا في البزازية وفيها أيضا وفي المنتقى شهدوا بمال فلم يعدلوا فطلب المدعى عليه من القاضي أن يكتب وثيقة ويحكم بأنه مردود الشهادة حتى لا يقبله قاض آخر حكم وكتب به وإذا فعل ذلك لا يقبل القاضي الآخر هذه الشهادة فإن كان الأول لم يحكم برد شهادتهم للثاني أن يقبل إذا عدلوا ا هـ‏.‏ وفي الملتقط وإذا أبطل القاضي شهادته في دار فجاء بعد عشرين سنة فشهد بها أيضا لآخر فشهادته باطلة ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة من ردت شهادته في حادثة لعلة ثم زالت تلك العلة فشهد لم تقبل إلا في أربعة الصبي والعبد والكافر على المسلم والأعمى إذا شهدوا فردت ثم زال المانع فشهدوا تقبل ا هـ‏.‏ ثم اعلم أنه يفرق بين المردود لتهمة وبين المردود لشبهة فالثاني يقبل عند زوال المانع بخلاف الأول فإنه لا يقبل مطلقا أشار إليه في النوازل ولو قال المؤلف سرا ثم علنا بثم دون الواو لكان أولى وإن أمكن حملها عليها ليفيد أنه لا بد من تقديم تزكية السر على العلانية لما في الملتقط عن أبي يوسف لا أقبل تزكية العلانية حتى يزكى في السر ا هـ‏.‏ وشمل الشاهد الأصلي والفرعي فيسأله عن الكل كذا عن أبي يوسف وعن محمد يسأل عن الأولين فإن زكيا سأل عن الآخرين كذا في الملتقط‏.‏ ‏(‏تنبيه‏)‏ لا تجوز التزكية إلا أن تعرفه أنت أو وصف لك أو عرفت أن القاضي زكاه أو زكي عنده وقال محمد كم من رجل أقبل شهادته ولا أقبل تعديله يعني أن الشهادة على الظواهر ولا كذلك التعديل كذا في الملتقط فيشترط لجوازها شروط الأول أن تكون الشهادة عند قاض عدل عالم الثاني أن تعرفه وتختبره بشركة أو معاملة أو سفر الثالث أن تعرف أنه ملازم للجماعة الرابع أن يكون معروفا بصحة المعاملة في الدينار والدرهم الخامس أن يكون مؤديا للأمانة السادس أن يكون صدوق اللسان السابع اجتناب الكبائر الثامن أن تعلم منه اجتناب الإصرار على الصغائر وما يخل بالمروءة والكل في شرح أدب القضاء للخصاف وفي النوازل من قال لا أدري أنا مؤمن أم غير مؤمن لا تعدله ولا تصلي خلفه ا هـ وفي البزازية عرف فسق الشاهد فغاب غيبة منقطعة ثم قدم ولا يدرى منه إلا الصلاح لا يجرحه المعدل ولا يعدله ولو كان معروفا بالصلاح فغاب غيبة منقطعة ثم حضر فهو على العدالة والشاهدان لو عدلا بعدما تابا يقضي بشهادتهما وكذا لو غابا ثم عدلا ولو خرسا أو عميا لا يقضي تاب الفاسق لا يعدل كما تاب بل لا بد من مضي زمان يقع في القلب صدقه في التوبة ا هـ‏.‏ ‏(‏تنبيه آخر‏)‏ ولو زكي من في السر علنا يجوز عندنا والخصاف شرط تغايرهما كذا في البزازية وفي المصابيح علن الأمر علونا من باب قعد ظهر وانتشر فهو عالن وعلن علنا من باب تعب لغة فهو علن وعلين والاسم العلانية مخففا ا هـ‏.‏ ‏(‏تنبيه آخر‏)‏ يسأل القاضي عن الشهود الذمة عدول المسلمين وإلا فيسأل عنهم عدول الكفار كذا في المحيط والاختيار‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتعديل الخصم لا يصح‏)‏ أي تزكية المدعى عليه الشاهد بقوله هو عدل غير مقبولة؛ لأن في زعم المدعي وشهوده أن الخصم كاذب في إنكاره مبطل في إصراره فلا يصلح معدلا وموضوع المسألة إذا قال هم عدول إلا أنهم أخطئوا أو نسوا أما إذا قال صدقوا أو هم عدول صدقة فقد اعترف بالحق كذا في الهداية وفي شرح أدب القضاء للصدر الشهيد أن يكون مقرا بقوله صدقوا فيما شهدوا به علي وبقوله هم عدول فيما شهدوا به علي أطلقه وقيده في البزازية بما إذا كان المدعى عليه لا يرجع إليه في التعديل فإن كان صح قوله وشمل الخصم المدعي والمدعى عليه وإن أراد به المدعى عليه وهو الظاهر فعدم صحته من المدعي بأولى كتعديل الشاهد نفسه، وأما جرح الشاهد نفسه فمقبول لما في البزازية وقول الشاهد أنه ليس بعدل إقراره على نفسه جائز عليه وكان ينبغي له أن لا يفعل ا هـ‏.‏ وظاهر ما في الظهيرية أنه يأثم بذلك حيث كان صادقا في شهادته لما فيه من إبطال حق المدعي ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعديل أحد الشاهدين صاحبه وفيه اختلاف قال في الظهيرية شاهدان شهد الرجل والقاضي يعرف أحدهما بالعدالة ولا يعرف الآخر فعدله الذي عرفه القاضي بالعدالة قال نصير رحمه الله لا يقبل القاضي تعديله ولابن سلمة فيه قولان وعن أبي بكر البلخي في ثلاثة شهدوا والقاضي يعرف اثنين منهم بالعدالة ولا يعرف الثالث فإن القاضي يقبل تعديلهما لو شهد هذا الثالث شهادة أخرى ولا يقبل تعديلهما في الشهادة الأولى وهو كما قال نصير رحمه الله تعالى ا هـ‏.‏ وأطلقه فشمل ما إذا عدله المدعى عليه قبل الشهادة أو بعدها كما في البزازية ويحتاج إلى تأمل فإنه قبل الدعوى لم يوجد منه كذب في إنكاره وقت التعديل وكان الفسق الطارئ على المعدل قبل القضاء كالمقارن وفي البزازية ولا يسأل رجلا له على المشهود عليه دين فلسه الحاكم وهذا دليل على أن الشاهد إذا كان له دين على المشهود عليه وهو مفلس لا تقبل ا هـ‏.‏ وفي المحيط البرهاني من دفع الدعاوى معزيا إلى الأوزجندي إذا قال المدعى عليه بعد الشهادة لي دفع لا يكون تعديلا للشهود لجواز أن يكون بالطعن في الشاهد ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ بخلاف قول المدعى عليه في جواب دعوى الوكيل بالدين دفعته إلى الموكل أو أبرأني فإنه يكون إقرارا بالوكالة فإنه يؤمر بالدفع إلى الوكيل كما سيأتي فيها‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والواحد يكفي للتزكية والرسالة والترجمة‏)‏ وهذا عندهما وقال محمد لا يجوز إلا اثنان؛ لأنهما في معنى الشهادة؛ لأن ولاية القاضي تنبني على ظهور العدالة وهو بالتزكية فيشترط فيه العدد كالعدالة وتشترط الذكورة في المزكى في الحدود ولهما أنه ليس في معنى الشهادة ولهذا لا يشترط فيه لفظ الشهادة ومجلس القضاء واشتراط العدد في الشهادة أمر تحكمي أي تعبدي في الشهادة فلا يتعداها ومحل الاختلاف ما إذا لم يرض الخصم بتزكية واحد فإن رضي الخصم بتزكية واحد فزكى جاز إجماعا كذا في الولوالجية وأطلق في التزكية والمراد تزكية السر ولو قال الواحد العدل المسلم لكان أولى لاشتراط العدالة فيها والإسلام في المزكي لو المشهود عليه مسلما كما في البزازية وأطلق في الواحد فشمل العبد والمرأة والأعمى والمحدود في القذف إذا تاب والصبي وأحد الزوجين للآخر والوالد لولده وعكسه والعبد لمولاه وعكسه وخرج من كلامه تزكية الشاهد بحد الزنا فلا بد في المزكي فيها من أهلية الشهادة والعدد الأربعة إجماعا ولم أر الآن حكم تزكية الشاهد ببقية الحدود ومقتضى ما قالوه اشتراط رجلين لها‏.‏ وقيدنا بالتزكية السر احترازا عن تزكية العلانية فإنه يشترط لها جميع ما يشترط في الشهادة من الحرية والبصر وغير ذلك إلا لفظ الشهادة إجماعا؛ لأن معنى الشهادة فيها أظهر فإنها تختص بمجلس القضاء وكذا يشترط العدد فيها على ما قاله الخصاف وأطلق في الرسالة فشمل رسول القاضي إلى المزكي ورسول المزكي إلى القاضي كما في فتح القدير لا الأول كما زعمه الشارح وأطلق في الترجمة فشمل المترجم عن الشهود أو عن المدعي أو المدعى عليه لا الأول كما توهمه الشارح قالوا والأحوط في الكل اثنان وفي البزازية ولا يعلمه أنه يسأل عنه وعلله الصدر الشهيد بأنه إذا أعلمه ربما خدع المزكي أو أخافه ولا يعلمه أنه سأل عنه سرا إنما يطلب منه تزكية العلانية وينبغي للقاضي أن يختار في المسألة عن الشهود من هو أخبر بأحوال الناس وأكثرهم اختلاطا بالناس مع عدالته عارفا بما لا يكون جرحا وما يكون جرحا غير طماع ولا فقير كي لا يخدع بالمال فإن لم يكن في جيرانه ولا أهل سوقه من يثق به سأل أهل محلته وإن لم يجد فيهم ثقة اعتبر فيهم تواتر الأخبار كذا ذكره الشارح وخص في البزازية لسؤال من الأصدقاء وأشار المؤلف بقبول قول الواحد في التزكية إلى قبول قوله في الجرح وسيأتي وليس مراد المؤلف التسوية بين الثلاثة في جميع الوجوه وإنما مراده التسوية في الاكتفاء بالواحد وبين التزكية والترجمة فرق فإن الترجمان لو كان أعمى لا يجوز عند الإمام ويجوز عند الثاني وقدمنا أن تزكية الأعمى جائزة ولا يكون المترجم امرأة كما قدمناه عن الخزانة وتصلح للتزكية وشرط في الظهيرية في المترجم عن الشاهد أن يكون الشاهد أعجميا وعن الخصم أن يكون كذلك فظاهره أن القاضي إذا كان عارفا بلسان الشاهد والخصم لم تجز ترجمة الواحد وفي المصباح ترجم فلان كلامه إذا بينه وأوضحه وترجم كلام غيره إذا عبر عنه بلغة غير لغة المتكلم واسم الفاعل ترجمان وفيه لغات أجودها فتح التاء وضم الجيم والثانية ضمهما معا وتجعل التاء تابعة للجيم والثالثة فتحهما بجعل الجيم تابعة للتاء والجمع تراجم ا هـ‏.‏ والتزكية المدح قال في الصحاح زكى نفسه تزكية مدحها‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ يستثنى من قوله أولا وسأل عن الشهود أربعة شهود لا يسأل القاضي عنهم قال الخصاف في أدب القضاء قال إسماعيل بن حماد أربعة من الشهود لا أسأل عنهم شاهد رد الطينة وشاهد تعديل العلانية وشاهد الغريب ليدعوه القاضي على غير قرعة وشاهد العدوي وشرحها في شرحي منظومة ابن وهبان من أول الشهادات وإسماعيل هذا هو حفيد أبي حنيفة وهو من جملة الأئمة أخذ عن أبي يوسف وزاحمه في العلم ولو عمر لفاق المتقدمين ولكنه مات شابا قلت‏:‏ فيحتاج هنا إلى فهم قولهم لا بد من العدالة في المزكي فإنه لا يسأل عنه فتعين أن يكون المراد بالمزكي العدل من كان معروفا بها عند القاضي فإن لم يكن معروفا بها لم يسأل عنه فلا يقبل تزكيته كما لا يخفى وليس المراد أنه لا يشترط عدالة المزكي كما فهمه العلامة ابن الشحنة بناء على أنها للاحتياط للاكتفاء بتزكية السر لتصريح الكل باشتراط عدالة المزكي خصوصا في تزكية العلانية وإنما المراد ما فهمناه عنهم ولما نظر إلى أن عدم السؤال في المسائل الثلاث لأجل الاكتفاء بالمستور ظن أن المزكي كذلك وليس كما ظنه لما قدمناه من التصريح عنهم وإن كان ما فهمه هو المراد فما ذكره القاضي إسماعيل ضعيف لنقل الإجماع على أن تزكية العلانية كالشهادة أو هو محمول على ما إذا تقدمت التزكية سرا وهو الظاهر‏.‏ ‏(‏تنبيه‏)‏ ذكر بعضهم أن الأولى كون القاضي عارفا باللغة التركية ورده الطرسوسي وأطال في فوائده ورد عليه ابن وهبان في شرحه ومن أراد الاطلاع على ذلك فلينظر فيه وقد تركته؛ لأنه لا طائل تحته حتى قال ابن وهبان ولو لا قصد مناقشة الطرسوسي لما تكلمت على ذلك‏.‏ ‏(‏تنبيه آخر‏)‏ قبول قول الواحد لا ينحصر في الثلاث المذكورة في الكتاب بل ذكر ابن وهبان أنه يقبل قول الواحد العدل في إحدى عشرة مسألة والرابعة التقويم للمتلفات لكن ذكر في البزازية من خيار العيب أنه يحتاج إلى تقويم عدلين لمعرفة النقصان فيحتاج إلى الفرق بين التقويمين الخامسة الجرح وقدمناه السادسة تقدير الأرش السابعة اختلفا في صفة المسلم فيه بعد إحضاره الثامنة الإخبار بفلس المحبوس لإطلاقه التاسعة الإخبار بعيب المبيع العاشرة الإخبار برؤية هلال رمضان الحادي عشر الإخبار بالموت ثم اعلم أن هذا ليس بحاصر؛ لأن ما كان من الديانات يقبل فيه قول الواحد العدل كطهارة الماء ونجاسته وحل الطعام وحرمته ولا يختص برؤية هلال رمضان وأيضا يقبل قول العدل في عزل الوكيل وحجر المأذون وإخبار البكر بإنكاح وليها وإخبار الشفيع بالبيع والمسلم الذي لم يهاجر ونحوها كما قدمناه على قول أبي حنيفة من اشتراط أحد شطري الشهادة أما العدد أو العدالة إلا أن يقال أنهم إنما لم يذكروها معها؛ لأن العدل ليس بشرط لجواز العمل به بمستورين والكلام فيما يشترط فيه العدالة حتى لا يقبل خبر مستورين في المواضع الأحد عشر ثم اعلم أنه يستثنى من الاكتفاء بواحد في التقويم تقويم نصاب السرقة فلا بد فيه من اثنين كما في العناية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وله أن يشهد بما سمع أو رأى في مثل البيع والإقرار وحكم الحاكم والغصب والقتل وإن لم يشهد عليه‏)‏ لأنه علم ما هو الموجب بنفسه وهو الشرط وقوله كالبيع مثال لهما فإنه إن عقداه بإيجاب وقبول كان من المسموع وأن بالتعاطي فهو من المرئيات واختلفوا هل يشهد بالبيع أو بالأخذ والإعطاء لكونه بيعا حكميا لا حقيقيا ذكره الشارح لكن مراد الثاني أنه يجوز كل منهما لا أنه يتعين الشهادة بالتعاطي لما في البزازية وفي بيع التعاطي يشهدون بالأخذ والإعطاء ولو شهدوا بالبيع جاز‏.‏ ا هـ‏.‏ ولا بد من بيان الثمن في الشهادة على الشراء؛ لأن الحكم بالشراء بثمن مجهول لا يصح كما في شهادات البزازية وفي الخلاصة رجل حضر بيعا ثم احتيج إلى الشهادة للمشتري ليشهد له بالملك بسبب الشراء ولا يشهد له بالملك المطلق قال ورأيت في موضع آخر أنه يحل والأول أصح لأن الملك المطلق ملك من الأصل والملك بالشراء حادث‏.‏ ا هـ‏.‏ وأشار بقوله وإن لم يشهد عليه إلى أنه لا يشترط أن يعلم المقر بالشاهد بالأولى فلو اختفى الشاهد وستر نفسه ويرى وجه المقر ويفهمه والمقر لا يعلمه وسعه أن يشهد وهكذا يفعل بالظلمة كما في خزانة الأكمل وأشار بقوله بما سمع إلى أنه لا بد من علم الشاهد بما يشهد به ولهذا قال في النوازل سئل أبو القاسم عن رجل ادعى على ورثة ميت مالا فأمر بإثبات ذلك فأحضر شاهدين فشهدا أن المتوفى قد أخذ من هذا المدعي منديلا فيه دراهم ولم يعلما كم وزنها أتجوز شهادتهما وهل يجوز للشاهدين أن يشهدا بذلك قال إن كان الشهود وقفوا على تلك الصرة وفهموا أنها دراهم وحرروها فيما يقع عليه تعيينهم من مقدارها شهدوا بذلك وينبغي أن يعتبرا جودتها فإنها قد تكون ستوقا فإذا فعلوا ذلك جازت شهادتهم ا هـ‏.‏ وفي خزانة الأكمل رجل في يده درهمان كبير وصغير فأقر بأحدهما لرجل فشهدا أنه أقر بأحدهما ولا ندري بأيهما أقر فإنه يؤمر بتسليم الصغير ا هـ‏.‏ والإقرار يصح أيضا أن يكون مثالا لهما أما كونه من المسموعات فظاهر،‏.‏ وأما كونه من المرئيات فبالكتاب لما في البزازية من كتاب الإقرار كتب كتابا فيه أقر بين يدي الشهود فهذا على أقسام الأول أن يكتب ولا يقول شيئا وأنه لا يكون إقرارا فلا تحل الشهادة بأنه إقرار قال القاضي النسفي إن كتب مصدرا مرسوما وعلم الشاهد حل له الشهادة على إقراره كما لو أقر كذلك وإن لم يقل اشهد علي به وعلى هذا إذا كتب للغائب على وجه الرسالة أما بعد فلك علي كذا يكون إقرارا؛ لأن الكتاب من الغائب كالخطاب من الحاضر فيكون متكلما والعامة على خلافه؛ لأن الكتابة قد تكون للتجربة وفي حق الأخرس يشترط أن يكون معنونا مصدرا وإن لم يكن إلى الغائب الثاني كتب وقرأ عند الشهود لهم أن يشهدوا به وإن لم يقل اشهدوا علي الثالث أن يقرأ هذا عندهم غيره فيقول الكاتب اشهدوا علي به الرابع أن يكتب عندهم ويقول اشهدوا علي بما فيه إن علموا بما فيه كان إقرارا وإلا فلا وذكر القاضي ادعى عليه مالا فأخرج خطا وقال أنه خط المدعى عليه بهذا المال فأنكر أن يكون خطه فاستكتب وكان بين الخطين مشابهة ظاهرة دالة على أنهما خط كاتب واحد لا يحكم عليه بالمال في الصحيح؛ لأنه لا يزيد على أن يقول هذا خطي وأنا حررته لكن ليس على هذا المال وثمة لا يجب كذا هنا إلا في تذاكر الباعة والصراف والسمسار‏.‏ ا هـ‏.‏ ذكره أيضا وفيها أيضا من أول الشهادات بأتم من هذا فلينظر وقد أوضح ابن وهبان في شرحه مسألة خط السمسار والصراف فليراجعه من أرادها وسنذكرها إن شاء الله تعالى في محلها والنكاح لا يكون إلا قولا وكذا لو ادعى التزوج فشهدا له بأنها زوجته تقبل كما في الخلاصة والإجارة كالبيع وتنعقد بالقول وبالتعاطي والوقف قول ولا يشترط في الشهادة به بيان الواقف على الصحيح على ما ذكره في وقف البزازية وشرطه لقبولها في كتاب الشهادات ثم اعلم أنه إذا شهد بالبيع فإن كان المبيع في يد غير البائع فلا بد أن يشهد بملك البائع بخلاف ما إذا كان في يده، وأما الشهادة بالإجارة فلا يشترط أن يشهدوا بأن العين المؤجرة ملك المؤجر والفرق أن إجارة الغاصب المغصوب صحيحة بلا إذن المالك ويستحق الأجرة كذا في دعوى البزازية وكذا في الشهادة بالشراء والقبض وكذا الهبة مع القبض لا يحتاجان إلى الشهادة بالملك للبائع والواهب كذا في الصغرى‏.‏ والحاصل أنهم إذا شهدوا بالشراء لمدعيه فلا بد من الشهادة بملك المدعي أو البائع أو يد البائع أو أن البائع سلمها للمشتري وفي الشهادة بالبيع لا بد من ذكر ملك البائع أو يده وهذا إذا شهدوا بالبيع على غير البائع فلو شهدوا به عليه لم يشترط شيء منهما كما في منية المفتي ويشترط في الشهادة بالإقرار رؤية المقر لما في شهادات البزازية وذكر الخصاف رجل في بيت وحده ودخل عليه رجل ورآه ثم خرج وجلس على الباب وليس للبيت مسلك غيره فسمع إقراره من الباب بلا رؤية وجهه حل له أن يشهد بما أقر وفي العيون رجل خبأ قوما لرجل ثم سأله عن شيء فأقروهم يسمعون كلامه ويرونه وهو لا يراهم جازت شهادتهم وإن لم يروه وسمعوا كلامه لا تحل لهم الشهادة ا هـ‏.‏ وفي الجامع الصغير شرط رؤية وجه المرأة ورأيت الإمام خالي أمرها بكشف الوجه وأمرها بالخروج ويؤيده ما في العيون كذا في الخلاصة وفي جامع الفصولين حسرت عن وجهها وقالت أنا فلانة بنت فلان بن فلان وهبت لزوجي مهري فلا يحتاج الشهود إلى شهادة عدلين أنها فلانة بنت فلان ما دامت حية إذ يمكن الشاهد أن يشير إليها فإن ماتت فحينئذ يحتاج الشهود إلى شهادة عدلين بنسبها وقال قبله لو أخبر الشاهد عدلان أن هذه المقرة فلانة بنت فلان يكفي هذا للشهادة على الاسم والنسب عندهما وعليه الفتوى ألا يرى أنهما لو شهدا عند القاضي يقضي بشهادتهما والقضاء فوق الشهادة فتجوز الشهادة بإخبارهما بالطريق الأولى فإن عرفهما باسمهما ونسبهما عدلان ينبغي للعدلين أن يشهدا الفرع على شهادتهما فيشهد عند القاضي عليها بالاسم والنسب وبالحق أصالة ا هـ‏.‏ وأما حكم الحاكم فيصح أن يكون من قبيل المسموع بأن كان بالقول ويصح أن يكون من المرئيات إن كان فعلا على ما قدمناه، وأما الغصب والقتل فلا يكونان إلا من المرئيات ومن قصر البيع والإقرار والحكم على المرئيات فقد قصر والتحقيق ما أسمعتك ولو قال المؤلف ولو قال له لا تشهد علي بدل قوله وإن لم يشهد عليه لكان أفود لما في الخلاصة لو قال المقر لا تشهد علي بما سمعت تسعه الشهادة ا هـ فيعلم حكم ما إذا سكت بالأولى وإذا سكت يشهد بما علم ولا يقول أشهدني لأنه كذب وفي النوازل سئل محمد بن مقاتل عن شريكين يتحاسبان وعندهما قوم وقالا لا تشهدوا علينا بما تسمعونه منا ثم أقر أحدهما لصاحبه بشراء أو باع شيئا فطلب المقر له بعد ذلك منهم الشهادة قال ينبغي لهم أن يشهدوا بذلك وهو قول محمد بن سيرين، وأما الحسن البصري والحسن بن زياد فإنهما يقولان لا يشهدون به قال الفقيه وروي عن أبي حنيفة أنه قال ينبغي لهم أن يشهدوا وبه نأخذ ا هـ‏.‏ ثم قال بعده قال الفقيه إن كان يخاف على نفسه أنه إذا أقر بشيء صدق وادعى أن شريكه قبض لا يصدقه يقول للمتوسط اجعل كان هذا المال على غيري وأنا أعبر عنه ثم يقول قبض كذا وكذا فيبين الجميع من غير أن يضيف إلى نفسه كي لا يصير حجة عليه ا هـ‏.‏ ثم اعلم أن المقر إذا قال للشاهد لا تشهد علي بما سمعته فله أن يشهد عليه إلا إذا قال له المدعي لا تشهد عليه ذكره في حيل التتارخانية من حيل المداينات معزيا إلى الخصاف حملا على أنه مبطل في دعواه لكن نقل بعده الاختلاف فيما لو جاء المدعي بعد النهي وطلب من الشاهد الشهادة فليراجع

‏(‏تنبيه‏)‏ من الفتاوى الصغرى من كتاب القاضي إلى القاضي إذا كتب الكاتب محضر امرأة وأراد أن يحليها فإنه ينبغي له أن يترك موضع تحليتها حتى يكون القاضي هو الذي يحليها ويكتب تحليتها في المحضر أو يملي حليتها على الكاتب؛ لأن الكاتب وإن حلاها لا يستغني القاضي عن النظر في وجهها فيكون فيه نظر رجلين إليها ولو حلاها القاضي كفى فيكون فيه نظر واحد وذلك أستر لها فكان أولى وهل يشترط رؤية وجهها ذكر الفقيه أبو الليث عن نصير بن يحيى قال كنت عند أبي سليمان فدخل ابن محمد بن الحسن فسأله عن الشهادة على المرأة متى تجوز إذا لم يعرفها قال كان أبو حنيفة يقول لا تجوز حتى يشهد عنده جماعة أنها فلانة وهو المختار للفتوى وعليه الاعتماد لأنه أيسر على الناس ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يشهد على شهادة غيره ما لم يشهد عليه‏)‏؛ لأنها لا تصير حجة إلا بالنقل إلى مجلس القاضي ولذا لا بد من عدالة الأصول فلا يملك غيره أن يجعل كلامه حجة بلا أمره فلا بد من التحميل وأفاد أنه لو سمعه يشهد آخر على شهادته لا يسعه أن يشهد؛ لأنه إنما حمل غيره وفي فتح القدير وهذا الإطلاق يقتضي أنه لو سمعه يشهد في مجلس القاضي حل له أن يشهد على شهادته؛ لأنها حينئذ ملزمة ا هـ‏.‏ وفيه نظر؛ لأنها لا تكون ملزمة إلا بالقضاء ولم يوجد وترك المؤلف رحمه الله قيدين آخرين لجوازها على شهادة غيره‏:‏ الأول أن يقبل التحميل فلو أشهده عليها فقال لا أقبل فإنه لا يصير شاهدا حتى لو شهد بعد ذلك لا تقبل كما في القنية وينبغي أن يكون هذا على قول محمد من أنه توكيل وللوكيل أن لا يقبل، وأما على قولهما من أنه تحميل فلا يبطل بالرد؛ لأن من حمل غيره شهادة لم تبطل بالرد‏.‏ الثاني أن لا ينهاه الأصيل بعد التحميل عنها لما في الخلاصة معزيا إلى الجامع الكبير لو حضر الأصلان ونهيا الفروع عن الشهادة صح النهي عند عامة المشايخ وقال بعضهم لا يصح والأول أظهر ا هـ‏.‏ وفي النوازل النصراني إذا أشهد على شهادته ثم أسلم لم يجز أن يشهد على شهادته ا هـ‏.‏ ويحتمل أن يكون مراده أنه أشهد نصرانيا مثله ويحتمل أنه أشهد مسلما والأول أظهر كما لا يخفى وقيد بالشهادة عليها؛ لأن الشهادة بقضاء القاضي صحيحة وإن لم يشهدهما القاضي عليه لكن ذكر في الخلاصة خلافا بين أبي حنيفة وأبي يوسف فيما إذا سمعاه في غير مجلس القضاء فجوزه أبو حنيفة وهو الأقيس ومنعه أبو يوسف وهو الأحوط‏.‏ ا هـ‏.‏ وجزم بالجواز في المعراج معللا بأن القضاء حجة ملزمة ومن سمع الحجة حل له أن يشهد بها ا هـ‏.‏ وفي شرح أدب القضاء للصدر من الباب الأربعين ضاع سجل من ديوان القاضي فشهد كاتباه عنده أنه أمضى ذلك فإن القاضي يقبله ولو ضاع إقرار رجل فشهد كاتباه عنده بأنه أقر عنده يقضي بشهادتهما ولو ضاع محضر من ديوانه فيه شهادة شهود بحق لا يذكره القاضي فشهدا عنده أن الشهود شهدوا عنده بكذا لا يقبلها القاضي ولا ينفذه لأن الشهود لم يحملاهما ولا بد منه وتمامه فيه ثم اعلم أن القضاء بشهادة الفروع عندهما وعند محمد بشهادة الكل كذا في الخزانة ولو قال المؤلف كما في الهداية ما لم يشهد عليها لكان أولى من قوله عليه لما في الخزانة لو قال اشهد علي بكذا أو اشهد علي ما شهدت به كان باطلا ولا بد أن يقول اشهد على شهادتي إلى آخره‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يعمل شاهد وقاض وراو بالخط إن لم يتذكروا‏)‏ أي لا يحل للشاهد إذا رأى خطه أن يشهد حتى يتذكر وكذا القاضي إذا وجد في ديوانه مكتوبا شهادة شهود ولا يتذكر ولا للراوي أن يروي اعتمادا على ما في كتابه ما لم يتذكر وهو قول الإمام وحذف مفعول يتذكروا لإرادة التعميم فلا بد عنده للشاهد من تذكر الحادثة والتاريخ والمال مبلغه وصفته حتى إذا لم يتذكر شيئا منه وتيقن أنه خطه وخاتمه لا ينبغي له أن يشهد وإن شهد فهو شاهد زور كذا في الخلاصة ولا يكفي تذكر مجلس الشهادة وفي الملتقط وعلى الشاهد أن يشهد وإن لم يعرف مكان الشهادة ووقتها ا هـ‏.‏ وجوز محمد للكل الاعتماد على الكتاب إذا تيقن أنه خطه وإن لم يتذكر توسعة للأمر على الناس وجوزه أبو يوسف للراوي والقاضي دون الشاهد وفي الخلاصة أن أبا حنيفة ضيق في الكل حتى قلت روايته الإخبار مع كثرة سماعه فإنه روي أنه سمع من ألف ومائتي رجل غير أنه يشترط الحفظ من وقت السماع إلى وقت الرواية ا هـ‏.‏ ومحل الخلاف في القاضي إذا وجد قضاءه مكتوبا عنده وأجمعوا أن القاضي لا يعمل بما يجده في ديوان قاض آخر وإن كان مختوما كذا في الخلاصة وقال شمس الأئمة الحلواني ينبغي أن يفتى بقول محمد وهكذا في الأجناس كذا في الخلاصة وجزم في البزازية بأنه يفتى بقول محمد وفي المبتغى بالغين المعجمة من وجد خطه وعرفه ونسي الشهادة وسعه أن يشهد إذا كان في حوزه وبه نأخذ‏.‏ ا هـ‏.‏ وعزاه في البزازية إلى النوازل وأشار بقوله ولا يعمل إلى أن الشاهد إذا كتب شهادته في نسخة وقرأها لأجل الضبط فإنه يقبل؛ لأنه لم يعتمد على خطه وقد عقد في السراجية لها بابا فقال باب الشهادة من النسخة إلى آخر ما فيها ويتفرع على الاختلاف السابق مسائل حاصلها أيجوز الاعتماد على غير الحفظ من إخبار مخبر بقضاء أو شهادة أو رواية أم لا الأولى لو نسي القاضي قضاءه ولم يكن له سجل فشهدا عنده أنه قضى بكذا الثانية أخبره قوم يثق بهم أنه كان شاهدا الثالثة سمع حديثا من غيره ثم نسي راوي الأصل فسمعه ممن روي عنه ثم اعلم أن الشاهد إذا اعتمد على خطه على القول المفتى به وشهد وقلنا بقبوله فللقاضي أن يسأله هل يشهد عن علم أم عن الخط إن قال عن علم قبله وإن قال عن الخط لا كما في البزازية وفي المعراج وعلى الاختلاف لو سمع من غيره حديثا ثم نسي الأصل الرواية فعند أبي حنيفة وأبي يوسف لا يعمل به وعند محمد يعمل به وعلى هذه المسائل التي اختلف فيها أبو يوسف ومحمد في الرواية في الجامع الصغير وهي ثلاث سمعها محمد من أبي يوسف ثم نسي أبو يوسف الرواية فكان لا يعتمد على رواية محمد وهو لا يدع الرواية ا هـ‏.‏ وهي ست لا ثلاث كما نقلناها مبينة في شرحنا على المنار وتعقبهم في فتح القدير هنا وفي كتاب الصلاة بأن الحكاية التي جرت بين الشيخين تفيد أنه من باب تكذيب الأصل الفرع ولا خلاف عندهم في بطلان الرواية لا أنه من باب النسيان فاعتماد المشايخ على قول محمد مشكل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يشهد بما لم يعاينه إلا في النسب والموت والنكاح والدخول وولاية القاضي وأصل الوقف فله أن يشهد بها إذا أخبره بها من يثق به‏)‏ استحسانا دفعا للحرج وتعطيل الأحكام إذ لا يحضرها إلا الخواص والمراد لا يحل له أن يشهد بشيء لم يقطع به من جهة المعاينة بالعين أو السماع إلا في كذا أما النسب فمن نسبته إلى أبيه نسبا من باب طلب عزوته إليه وانتسب إليه اعتزى ثم استعمل النسب وهو المصدر في مطلق الوصلة بالقرابة فيقال بينهما نسب أي قرابة وسواء جاز بينهما التناكح أم لا وجمعه أنساب وتمامه في المصباح، وأما ما يتعلق به من الأحكام هنا فأفاد أنه تجوز الشهادة فيه بالتسامع وفي البزازية من الدعوى العاشر في النسب وفي دعوى العمومة لا بد أن يفسر أنه عمه لأمه أو لأبيه أو لهما ويشترط أيضا أن يقول هو وارثه لا وارث له غيره فإن برهن على ذلك أو على أنه أخو الميت لأبويه لا يعلمون أن له وارثا غيره يحكم له بالمال ولا يشترط ذكر الأسماء في الأقضية إلى أن قال ادعى على آخر أنه أخوه لأبيه إن ادعى إرثا أو نفقة وبرهن تقبل ويكون قضاء على الغائب أيضا حتى لو حضر الأب وأنكر لا يقبل ولا يحتاج إلى إعادة البينة؛ لأنه لا يتوصل إليه إلا بإثبات الحق على الغائب وإن لم يدع مالا بل ادعى الأخوة المجردة لا تقبل لأن هذا في الحقيقة إثبات البنوة على الأب المدعى عليه والخصم فيه هو الأب لا الأخ‏.‏ وكذا لو ادعى أنه ابن ابنه أو أبو أبيه والابن والأب غائب أو ميت لا يصح ما لم يدع مالا فإن ادعى مالا فالحكم على الحاضر والغائب جميعا بخلاف ما إذا ادعى على رجل أنه أبوه أو ابنه أو على امرأة أنها زوجته أو ادعت عليه أنه زوجها أو ادعى العبد على عربي أنه مولاه عتاقة أو ادعى عربي على آخر أنه معتقه أو ادعت على رجل أنها أمته أو كان الدعوى في ولاء الموالاة وأنكر المدعى عليه فبرهن المدعي على ما قال يقبل ادعى به حقا أو لا بخلاف دعوى الأخوة؛ لأنه دعوى الغير ألا ترى أنه لو أقر أنه أبوه أو ابنه أو زوجه أو زوجته صح أو بأنه أخوه لا لكونه حمل النسب على الغير وتمامه فيها وحاصل ما ينفعنا هنا أن الشهود إذا شهدوا بنسب فإن القاضي لا يقبلهم ولا يحكم به إلا بعد دعوى مال إلا في الأب والابن وقيد في المحيط معزيا إلى الإمام محمد في المبسوط قبولها في النسب بقيد حسن فليراجع من نسخة صحيحة، وأما الموت ففي البزازية والموت كالقتل ولعله والقتل كالموت كما في الخلاصة وخزانة المفتين وظاهره أن الشهادة على القتل بالتسامع جائزة وهو بإطلاقه مشكل لترتب القصاص عليها وفيها شبهة فلا يثبت بها ما يندرئ بالشبهة ولم أر من أوضحه إلى الآن وقد ظهر لي أن التشبيه إنما هو في خاص وهو جواز اعتداد المرأة إذا أخبرت بقتله كموته للتزوج وإن كان السياق يخالفه وكذا تعارض الخبرين عندنا بقتله وحياته وأشار المؤلف إلى أن المرأة تعمل بالسماع بالأولى لما في البزازية قال رجل لامرأة سمعت أن زوجك مات لها أن تتزوج إن كان المخبر عدلا‏.‏ ا هـ‏.‏ ومسائل تعارض الخبرين بموته وحياته فيها هنا وظاهر إطلاقه في الموت أنه لا فرق بين كون الميت مشهورا أو لا وقيده في المعراج معزيا إلى فتاوى رشيد الدين بأن يكون عالما أو من العمال أما إذا كان تاجرا أو مثله فإنه لا تجوز إلا بالمعاينة ا هـ‏.‏ وقيد بأصل الوقف احترازا عن شرائطه فإنه لا تقبل فيها بالتسامع وفي البزازية وفي الوقف الصحيح أنها تقبل بالتسامع على أصله لا على شرائطه؛ لأنه يبقى على الإعصار لا شرائطه وكل ما تعلق به صحة الوقف وتتوقف عليه فهو من أصله وما لا يتوقف عليه الصحة فهو من الشرائط ونص الفضلي على أنه لا يصح في الوقف الشهادة بالتسامع واختار السرخسي جوازه على أصله لا على شرائطه بأن يقول إنه وقف على المسجد هذا أو المقبرة هذه أما إذا لم يذكرا ذلك لا تقبل ا هـ‏.‏ والمراد من الشرائط أن يقولوا إن قدرا من الغلة لكذا ثم يصرف الفاضل إلى كذا بعد بيان الجهة فلو ذكر هذا لا تقبل ا هـ وفي الفصول العمادية من العاشر المختار أن لا تقبل الشهادة بالشهرة على شرائط الوقف ا هـ‏.‏ وفي الخانية في أواخر فصل دعوى الوقف من كتاب الوقف ما يوافق هذا وكذا في الإسعاف وفي المجتبى المختار أن تقبل على شرائط الوقف‏.‏ ا هـ‏.‏ واعتمده في المعراج وقواه في فتح القدير بقوله وأنت إذا عرفت قولهم في الأوقاف التي انقطع ثبوتها ولم يعرف لها شرائط ومصارف أنه يسلك بها ما كانت عليه في دواوين القضاة لم تقف عن تحسين ما في المجتبى؛ لأن ذلك هو معنى الثبوت بالتسامع‏.‏ ا هـ‏.‏ وجوابه أنه إنما عمل فيها بذلك عند الضرورة والمدعي أعم ثم قال أي في فتح القدير وليس معنى الشروط أن يبين الموقوف عليه بل أن يقول يبدأ من غلتها بكذا وكذا والباقي كذا وكذا ا هـ‏.‏ ومسألة الشهادة بالوقف أصلا وشروطا لم تذكر في ظاهر الرواية وإنما قاسها المشايخ على الموت كما في الخلاصة والتقييد بما ذكر من الأشياء الستة يدل على عدم قبولها به في غيرها من الولاء والعتق واختلف الفحلان في نقل الاختلاف في العتق فنقل الإمام السرخسي عدم قبولها فيه إجماعا ونقل أستاذه الإمام الحلواني أنه على الاختلاف المنقول في الولاء فعن أبي يوسف الجواز فيهما ومن ذلك المهر فظاهر التقييد أنه لا تقبل فيه به ولكن في البزازية والظهيرية والخزانة أن فيه روايتين والأصح الجواز ا هـ‏.‏ ووجهه أنه من توابع النكاح فكان كأصله وذكر في الخلاصة خلافا في الدخول ففي فوائد أستاذنا ظهير الدين لا يجوز لهم أن يشهدوا على الدخول بالمنكوحة بالتسامع ولو أراد أن يثبت الدخول يثبت الخلوة الصحيحة ا هـ‏.‏ وظاهر ما في المعراج أن الأمير كالقاضي فيزاد إلا مرة وكذا في خزانة المفتين ثم اعلم أن الخصاف شرط للقبول عند أبي يوسف في العتق أن يكون مشهورا وللمعتق أبوان أو ثلاثة في الإسلام ولم يشترطه محمد في المبسوط كذا في المعراج‏.‏ وقوله إذا أخبره يدل على أن لفظة الشهادة ليست بشرط في الكل أما الذي يشهد عند القاضي فلا بد له من لفظها وشرط في العناية لفظ الشهادة على ما قالوا كذا في الخلاصة وأشار المؤلف رحمه الله تعالى بقوله من يثق به إلى عدم اشتراط عدد وذكورة في المخبر ولكن في الخلاصة في النكاح والنسب لا بد أن يخبره عدلان بخلاف الموت قال وفي الموت مسألة عجيبة هي إذا لم يعاين الموت إلا واحد ولو شهد عند القاضي لا يقضي بشهادته وحده ماذا يصنع قالوا يخبر بذلك عدلا مثله وإذا سمع منه حل له أن يشهد على موته فيشهد هو مع ذلك الشاهد فيقضي بشهادتهما ا هـ‏.‏ وظاهر ما في السراج أنه لا بد من خبر عدلين في الكل إلا في الموت وصحح عن الظهيرية أن الموت كغيره وفي فتح القدير المختار الاكتفاء بالواحد في الموت والعدالة إنما تشترط في المخبر في غير المتواتر أما في المتواتر فلا تشترط العدالة ولا لفظ الشهادة كما في الخلاصة وظاهر كلام المؤلف الاقتصار على الإخبار وهو قصور قال في الخلاصة إذا شهد تعريسه وزفافه أو أخبره بذلك عدلان حل له أن يشهد أنها امرأته وذكر الشارح أنه إذا رأى رجلا يدخل على امرأته وينبسطان انبساط الأزواج وسمع من الناس أنها زوجته جاز له أن يشهد به وإن لم يعاين النكاح وكذا إذا رأى شخصا جالسا مجلس الحكم يفصل الخصومات جاز له أن يشهد على أنه قاض‏.‏ ا هـ‏.‏ فظاهر الهداية الاكتفاء بما ذكر وذكر غيره أنه لا بد من الإخبار وفي فتح القدير وهو الحق وفي المحيط ولو جاء خبر موت إنسان فصنعوا ما يصنع على الميت لم يسعك أن تخبر بموته حتى يخبرك ثقة أنه عاين موته؛ لأن المصائب قد تتقدم على الموت إما خطأ أو غلطا أو حيلة لقسمة المال ا هـ‏.‏ وفي القنية نكاح حضره رجلان ثم أخبر أحدهما جماعة أن فلانا تزوج فلانة بإذن وليها ثم الآن يجحد هذا التسامع يجوز للسامعين أن يشهدوا على ذلك ا هـ‏.‏ ثم اعلم أن القضاء بالنسب مما لا يقبل النقض لكونه على الكافة كالنكاح والحرية والولاء كما في الصغرى وكذا كتبنا في الفوائد أن القضاء على الكافة في هذه الأربعة لكن يستثنى من النسب ما في المحيط من باب الشهادة بالتسامع شهدا أن فلان بن فلان مات وهذا ابن أخيه ووارثه قضي بالنسب والإرث ثم أقام آخر البينة أنه ابن الميت ووارثه ينقض الأول ويقضي للثاني؛ لأن الابن مقدم على ابن الأخ ولا تنافي بين الأول والثاني لجواز أن يكون له ابن وابن أخ فينقض القضاء في حق الميراث لا في حق النسب حتى يبقى الأول ابن عم له حتى يرث منه إذا مات ولم يترك وارثا آخر أقرب منه فإن أقام آخر البينة أن الميت الأول فلان بن فلان ونسبه إلى أب آخر غير الأب الذي نسبه إلى الأول فإنه ينظر إن ادعى ابن أخيه لا ينقض القضاء الأول لأنه لما أثبت نفسه من الأول خرج عن أن يكون محلا لإثباته في إنسان آخر وليس في البينة الثانية زيادة إثبات إلى آخر ما ذكره‏.‏ والمراد بقوله من يثق به غير الخصم إذ لو أخبره رجل أنه فلان بن فلان لا يسعه أن يعتمد على خبره ويشهد بنفسه؛ لأنه لو جاز له ذلك لجاز للقاضي القضاء بقوله كذا في خزانة المفتين وشرط فيها للقبول في النسب أن يخبره عدلان من غير استشهاد الرجل فإن أقام الرجل شاهدين عنده على نسبه لا يسعه أن يشهد وإذا كان الرجل غريبا لا يسعه أن يشهد بنسبه حتى يلقى من أهل بلده رجلين عدلين فيشهدان عنده على نسبه قال الجصاص وهو الصحيح‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن في يده شيء سوى الرقيق لك أن تشهد أنه له‏)‏؛ لأن اليد أقصى ما يستدل به على الملك إذ هي مرجع الدلالة في الأسباب كلها فيكتفى بها وعن أبي يوسف أنه يشترط مع ذلك أن يقع في قلبه أنه له قالوا ويحتمل أن يكون هذا تفسيرا لإطلاق محمد في الرواية قال في فتح القدير قال الصدر الشهيد وبه نأخذ فهو قولهم جميعا ا هـ‏.‏ فلو رأى درة في يد كناس أو كتابا باقيا في يد جاهل لا يشهد بالملك له بمجرد يده كذا في البزازية ومن مشايخنا من قال أنها دليل الملك مع التصرف لكونها متنوعة إلى أمانة وملك قلنا والتصرف يتنوع أيضا إلى أصالة ونيابة وظاهر كلام المؤلف أنه عاين المالك والملك فإذا رآه في يد آخر فجاء الأول وادعى الملك وسعه أن يشهد أنه له بناء على يده قالوا وكذا إذا عاين الملك بحدوده دون الملك استحسان؛ لأن النسب يثبت بالتسامع له وفرع على هذا الناصحي بأن المالك لو كان امرأة لا تخرج ولا يراها الرجال فإن كان الملك مشهورا أنه لها جاز أن يشهد عليه؛ لأن شهرة الاسم كالمعاينة ا هـ‏.‏ وأورد عليه لزوم الشهادة بالمال بالتسامع وأجيب بأنه في ضمن الشهادة بالنسب كما في النهاية وتعقبه في فتح القدير بأن مجرد ثبوت نسبه بالشهادة عند القاضي لم يوجب ثبوت ملكه لتلك الضيعة لولا الشهادة به وكذا المقصود ليس إثبات النسب بل الملك في الضيعة‏.‏ ا هـ‏.‏ وخرج مسألتان إحداهما أن لا يعانيهما وإنما سمع أن لفلان كذا الثانية أن يعاين المالك لا الملك فلا يحل له أن يشهد لكونه مجازفا في الأولى وفي الثانية لم يحصل له العلم بالمحدود وأشار المؤلف رحمه الله إلى أن من رأى شيئا في يد إنسان ولم يره قبل ذلك في يد غيره فإن له أن يشتريه منه فإن كان رآه قبله في يد غيره فإن أخبره بانتقال الملك إليه أو بالوكالة منه حل الشراء وإلا فلا وكذا لو رأى جارية في يد إنسان ثم رآها في بلد أخرى وقالت أنا حرة الأصل لا يحل له أن ينكحها وسيأتي تمامه في الكراهية واستثنى المصنف الرقيق أي العبد والأمة وهو مقيد بما إذا كانا كبيرين لأن لهما يدا على أنفسهما تدفع يد الغير عنهما فانعدم دليل الملك وعن أبي حنيفة أنه يحل له أن يشهد فيهما أيضا اعتبارا بالثياب‏.‏ والفرق ما بيناه وإن كانا صغيرين لا يعبران عن أنفسهما كالمتاع لا يد لهما فله أن يشهد بالملك لذوي اليد وعلى هذا فالمراد بالكبير في كلامهم هنا من يعبر عن نفسه سواء كان بالغا أو لا كما في النهاية ثم اعلم أنه إنما يشهد بالملك لذي اليد بشرط أن لا يخبره عدلان بأنه لغيره فلو أخبراه لم تجز له الشهادة بالملك له كما في الخلاصة وقدمناه وأشار المؤلف إلى أن القاضي لو رأى عينا في يد رجل فإنه يجوز له القضاء بالملك كما في الخلاصة والبزازية وبه ظهر أن قول الشارح في تقرير أن الشاهد إذا فسر للقاضي أنه يشهد عن سماع أو معاينة يد لم يقبله أن القاضي لا يجوز له أن يحكم بسماع نفسه ولو تواتر عنده ولا برؤية نفسه في يد إنسان سهو إلا أن يحمل ما قالوا لو رأى شيئا في يد إنسان ثم رآه في يد غيره فإنه لا ينتزعه منه من غير أن يدعيه الأول فما في الفتاوى فيما إذا ادعاه المالك وما في الشرح فيما إذا لم يدعه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن فسر للقاضي أنه يشهد له بالتسامع أو بمعاينة اليد لا تقبل‏)‏ وهذا هو الصحيح كما ذكره مسكين في شرحه لكنه استثنى الموت والوقف فتقبل ولو فسر للقاضي أنه أخبره من يثق به واستثنى العمادي في الفصول الوقف فلو شهدا به وقالا نشهد بالتسامع تقبل؛ لأن الشاهد ربما يكون عمره عشرين سنة وتاريخ الوقف مائة سنة فيتيقن القاضي أنه يشهد بالتسامع فالإفصاح كالسكوت إليه أشار ظهير الدين المرغيناني وفي الخلاصة لو شهدا عند القاضي أن فلانا مات وقالا أخبرنا بذلك من تثق به جازت شهادتهما وهو الأصح والخصاف أيضا جوز ذلك وفيه اختلاف المشايخ ا هـ‏.‏ ومعنى التفسير للقاضي أنه شهد بالتسامع أن يقولا شهدنا؛ لأنا سمعنا من الناس أما إذا قالا لم نعاين ذلك ولكنه اشتهر عندنا جازت كذا في الخلاصة والبزازية وفي الينابيع تفسيره أن يقول في النكاح لم أحضر العقد وفي غيره أخبرني من أثق به أو سمعت ونحوه وفي المحيط معزيا إلى المنتقى إذا شهدوا أنه مات على هذه الدابة فهي ميراث ولو شهدوا أن أبا هذا المدعي مات وهذه الدار كانت له يوم مات أو شهر مات أو سنة مات فهو جائز له ولو رآه على حمار يوما لم يشهد أنه له لاحتمال أنه ركبه بالعارية ولو رآه على حمار خمسين يوما أو أكثر ووقع في قلبه أنه له وسعه أن يشهد أنه له؛ لأن الظاهر أن الإنسان لا يركب دابة مدة كثيرة إلا بالملك ا هـ‏.‏ وفي البزازية عاين الشاهد دابة تتبع دابة وترضع له أن يشهد بالملك والنتاج شهدا أن فلان ابن فلان مات وترك هذه الدار ميراثا ولم يدركا الميت فشهادتهما باطلة؛ لأنهما شهدا بملك لم يعاينا سببه ولا رأياه في يد المدعي ا هـ‏.‏ والله أعلم‏.‏